معركة الحصاد الأكبر...
كانت معركة الفاو اشهر معارك العام 1986 واقساها نتيجة لاحتلال الفاو من قبل المحتل الفارسي... وكان قرار القيادة حكيما بالصبر والانتظار لبناء مشروع كبير ومضمون لتحريرها، مع استمرار حصار العدو فيها وجعلها مقبرة كبيرة لجنوده... وفي يوم 6/1/1987 جرى استبدال رئيس أركان الجيش الفريق أول عبد الجواد ذنون بالفريق أول الركن المتقاعد سعد الدين عزيز، الذي كان يشغل منصب مدير الموانيء..
في ليلة 9-10/1/1987 شن العدو هجوما كبيرا مستهدفا نفس اتجاهات الهجوم السابق (هجوم 24/12/1986)،الاتجاه الاول: المحمرة – الشلامجة – التنومة – البصرة، والاتجاه الاخر الزاوية القائمة للحدود، بحيرة الاسماك – التنومة – البصرة... حيث كانت الفرقة 11 بقيادة العميد الركن عبد الواحد شنان تدافع في الاتجاه الاول، بينما كانت الفرقة الثامنة بقيادة العميد الركن ابراهيم الشيخ الآغا تدافع في الاتجاه الثاني، علاوة على تشكيلات الفرقة المدرعة الثانية عشرة بقيادة العميد الركن رياض طه، وتشكيلات الفرقة الخامسة الالية بقيادة العميد الركن حسن يوسف كاحتياط للفرقتين المدافعتين، ولم تكن الفرقة المدرعة الثالثة بقيادة العميد الركن سلمان حامد بعيدة عن مسرح القتال... فدارت معركة سريعة تمكن العدو فيها للاسف من تحقيق بعض النجاحات...
وعلى ضوء ذلك انذرت فرقة بغداد حرس جمهوري بقيادة العميد الركن كامل بالتحرك السريع نحو قاطع شرق البصرة... كذلك انذرت فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري بقيادة العميد الركن احمد ابراهيم حماش... في نفس الوقت كان اللواء المدرع الثاني حرس جمهوري بقيادة العقيد الركن أحمد الراوي قد تحرك سابقا مع فرقة بغداد.... عند وصولنا، كان خط الدعيج قد احتله العدو... وكانت فرقة بغداد واللواء المدرع الثاني حرس جمهوري يقاتلان بشجاعة وبإصرار عنيد بالاتجاه الشرقي من مسرح القتال، وكانت الفرقة الحادية عشرة تدير معركتها ببسالة وبطولة.... وفي يوم 20/1/1987 وضع نائب القائد العام خطة مستعجلة للهجوم المقابل لقائد الحرس الجمهوري العميد الركن حسين رشيد (الاسير حاليا والذي تحاكمه الحشرات الخمينية المجوسية الكافرة مع اخوانه لدورهم البطولي في قادسية صدام) في مقر الحرس الجمهوري في منطقة الجباسي... والذي كلفت به فرقتنا ومن ثلاثة تشكيلات: اللواء المدرع 10 حرس جمهوري بإمرة العقيد ضياء ماهر التكريتي المتحشدة في منطقة الجباسي، ولواء 10 مشاة حرس جمهوري بإمرة العقيد الركن غالب الشيخلي (أعدمه خنازير الخنزير الخائن طلباني عام 1992 عندما كان قائدا للفرقة 36 في دوكان)، واللواء 15 الالي بإمرة العقيد الركن ياسين من فرقة المشاة الالية الخامسة... وكانت ساعة الهجوم قد تحددت عند تمام الساعة الثالثة بعد الظهر.... كان تصور نائب القائد العام ان القطعات جاهزة في مناطق اجتماعها، لكن حساب الخرائط يختلف عن حساب واقع الحال على الارض، وما كان يحسب لساعات، اتسع لأيام طويلة... فتوالت المواقف المؤسفة.. فجرح آمر اللواء السادس حرس جمهوري، واستشهد عدد من الضباط والجنود بلغوا 30 ضابطا وجنديا من احدى وحدات مدفعيتنا.... ثم جرح آمر اللواء 15 مشاة... وكانت تلك الليلة من أسوأ الليالي... وايضا استشهد العقيد الركن علي الشيخلي آمر اللواء المدرع 37... واستشهد معه عدد كبير من ضباطه وجنوده....
وكان صباح يوم 21/1/1987 صباحا غير سار... فقد تلاشى زخم اللواء 15 المشاة الالي في منتصف المسافة ما بين نهري جاسم والدعيج، واشتبك اللواء العاشر المدرع بشدة مع العدو امام الخط الدفاعي الاول بقليل... وانقطع الاتصال باللواء السادس مشاة حرس جمهوري وهو ما يزال في غابات النخيل الاولى... وفي ظل هذا الموقف ضاع الامل، وفقد قائد الفرقة اعصابه وهو يستمع لرنات الهاتف الذي كان يرن جرسه كل حين ليسأل ما الموقف؟؟ لقد تأخرتم... أسرعوا... كان قائد الفرقة يبحث عمن يأتيه بأخبار هذا اللواء الذي كان يقوده المقدم صباح... فتطوعت لهذه المهمة لسببين:
الاول: انه هالني حرج قائدي الذي وجبت علي مساعدته مهما كان الثمن، والثاني انه حرام علينا ان نظلم الذين يقاتلون في هذه الظروف الصعبة... وفي اللحظة التي هممت فيها بالخروج دخل علينا رئيس أركان الفرقة العقيد الركن قيس الاعظمي ليخبرنا ان خط جاسم قد سقط بيد العدو باستثناء بعض النقاط المحدودة.... ساد الصمت الرهيب تلك الغرفة... فخرجت على عجلة من أمري متوكلا على الله... خرجت على الطريق الذي يوصلني الى خط جاسم ثم خط الدعيج... كان القصف العدواني شديدا... ثم ركبت عجلة الى مقر اللواء، اجتازت بنا ذلك الخط الدفاعي الاول نحو مقر اللواء الخامس عشر... حيث توقفت في أحد المواضع التي تبعد 300 متر عن المقر... فقد اصبح التقدم مستحيلا بسبب الرماية المباشرة لدبابات العدو المتموضعة خلف سار على شكل قوس... بعد جهد تمكنت من الوصول الى مقر اللواء، فوجدت وكيل آمر اللواء المقدم صباح مع بضعة ضباط ومجموعة من الجنود بوضع نفسي صعب، ليس خوفا من موت أو أسر، وانما خوفا مما قد يظن بهم من تقصير... فأكبرت فيهم بطولتهم وشجاعتهم وأخبرتهم أن سبب قدومي هو الاطمئنان على سلامتهم.... ثم علمت منهم أن هناك عدة مقرات معزولة في مقر اللواء 45 مشاة، الفرقة الحادية عشرة المحصن جيدا الى يسارنا على مسافة غير بعيدة... فقادني حب الاستطلاع اليها... فشاهدت ثلاثة دبابات معادية تقوم بالرمي المباشر على المزاغل....يصعب وصف وجود اولئك المقاتلين الذين كان نصفهم جرحى والنصف الباقي متسترا في مدخل ذلك المقر الهابط الى الاسفل بسلسلة طويلة من الدرجات المؤدية الى مجموعة غرف مظلمة... ما إن دخلت حتى وجدت نفسي وسط مشادة كلامية حادة بين آمر اللواء 45 العقيد محمد سعيد وآمر اللواء 46 مشاة آلي العقيد الركن يعمر زكي الخيرو (وهو رفيق سلاح قديم) وكان كل واحد منهما يحمل الآخر مسؤولية الموقف.... كيف انهي هذه الفوضى؟؟ صحت بأعلى صوتي انني مبعوث وزير الدفاع نائب القائد العام لاطلع على الموقف... فساد الصمت الممزوج بالذهول!!! شجعني هذا الادعاء على ان اخبرهم بأن سيادته اشاد ببطولاتهم وشجاعتهم وما عليهم سوى الصمود هذه الليلة فقط حتى يتسنى لهم الانسحاب من خلف خط جاسم... وطلبت أن يكون أقدمهم آمرا للجميع...ولإعطاء المزيد من المصداقية لما ادعيته طلبت منهم وثيقة موقعة من قبل كل آمر بما يملك من قوة وما هي خطة الآمر الاقدم في تأمين خطة دفاعه حتى يوم غد...فانصاع الجميع لإمرة آمر اللواء 45 (العقيد الركن محمد سعيد....) الذي كان أقدم العقداء.... سلموني الوثيقة المطلوبة وخرجت مسرعا وعدت بنفس المسار الخطر....
لم يصدق قائدي وضباط الركن (العقيد الركن عبد القادر يونس والرائد الركن سفيان عبد الله "الذي أعدم على يد جاسوس كويتي حقير بعد احتلال العراق وتدنيسه) انني عدت اليهم....ثم ذهبت الى قائد الحرس الجمهوري اتوسل اليه تنفيذ ما وعدت به اولئك المقاتلين بعد ادعائي أنه وعد من وزير الدفاع.... والحمد لله تم التنفيذ من الليلة التالية وتم تأمين ناقلات اشخاص مدرعة ونجا اولئك الرجال جميعا من الاسر... لقد نجحت قواتنا في ايقاف الهجوم المعادي، وانحصر مسرح القتال بجبهة طولها عشرة كيلومترات باتجاه الشلامجة وسبعة كيلومترات باتجاه بحيرة الاسماك وبأعماق متفاوتة... كان ذلك مسرحا صغيرا للقتال... كان العدو يضخ الى جبهات القتال ارتالا من القطعات النظامية وغير النظامية وينتظرهم خلف ممواضع القتال مجموعة من الامرين الصغار... فيكونون مجموعات قتالية صغيرة تحدد لها أهداف صغيرة... كان قتالا غير نمطيا لم نألفه كجيش منظم... لقد كان الاصرار من جانبنا كبيرا على حماية التراب الوطني.... لقد كادت تلك الاساليب المعادية ان تشل تفكيرنا القيادي لولا المرونة القيادية "للشهيد" صدام حسين الذي حضر الى ساحات المعارك اكثر من مرة، فتجاوز القيود الاكاديمية في حل المعضلات الميدانية وترك لنا الصلاحية المطلقة التي امتلكها بالاعتماد على المنطق العام للحرب والسياسة وبمشورة من نائبه وزير الدفاع الذي كان يتمتع بشخصية قيادية رصينة وهادئة، والذي كان دائما في المعارك....
في 27/1/1987 تمكن العدو من اختراق جناحنا الايمن... فكلفني قائدي بالذهاب الى مقر اللواء العاشر المدرع لمعاونة آمره في ادارة معركة الهجوم المقابل... فاقترحت أن يكون الهجوم المقابل من اتجاهين لتخفيف تأثير نار العدو وارباكه.. وخلال المعركة حضر قائدي مع قائد الفرقة الثانية العميد الركن احمد راكان الشمري... وبمعركة سريعة تمكن اللواء من استعادة موضع الفوج الثاني من اللواء 81 وموضع الفوج الاول من اللواء 105 اللذين احتلا في الليلة الماضية... وتمكنا من أسر 19 جنديا... وكان لآمر الفوج الالي للواء العاشر الرائد الركن عبد الحليم كاظم ولآمر سرية المغاوير من نفس اللواء دورا مهما في هذا النجاح... لفت نظري قائد الفرقة الثانية (العميد أحمد راكان) بهدوء اعصابه ووفرة ملكته الشعرية....
في 29-30/1/1987 تم تبديل فرقتنا بالفرقة الثانية... واستغل العدو عملية التبديل ليسقط موضع فوج من اللواء 36 الذي كان يقوده العقيد الركن حسين الحلبوسي – من ضباط القوات الخاصة -... حاول آمر اللواء استرجاعه لكنه لم يفلح بسبب بقاء العدو ثابتا في موقعه... بذلت وحداتنا الهندسية العسكرية جهدا كبيرا تحت نار العدو بقيادة آمرها المقدم الشجاع قاسم مجيد.... الذي كان مثال الجندي الحريص... في قاطع خط جاسم استمر القتال سجالا بيننا وبين العدو في نقطة التقاء مواضع الفرقة الحادية عشرة... وكانت خسائر العدو جسيمة.... وأطلق على هذه المعركة اسم معركة الحصاد الاكبر... انتقم العدو لخسائره بقصفه لمدينة البصرة وبغداد بصواريخ أرض – أرض... كذلك كثفت قواتنا الجوية قصفها لطهران موقعة الكثير من الخسائر... لقد ا صبح الموقف الدولي في ذلك العام اكثر وضوحا في إدانة ايران... كذلك استدعى وزير الخارجية السوفييتي وزير خارجية الفرس للحث على ايقاف الحرب... وبنفس الوقت زار السيد طارق عزيز موسكو...
يوم 24/2/1987 تحركت فرقتنا الى منطقة قلعة صالح في قاطع العمارة.....ثم صدر لها أمر العودة لتدهور الموقف..... وكانت معركة اللواء الثاني المدرع حرس جمهوري، وخاصة الفوج الالي السادس عشر بإمرة المقدم الركن عبد الرحيم المندلاوي رائعة في حسم الموقف....
في الفترة من 2-4/1987 ازداد ضغط العدو باتجاهين: الاول جنوب خط جاسم، والثاني باتجاه بحيرة الاسماك... واصبح التهديد قائما باتجاه قناة التغذية الموصلة بين شط العرب وبحيرة الاسماك... حيث كلفت قوات الحرس الجمهوري باستعادة الموقف على السدة الدفاعية المسماة بالسدة 1000.... وفي ليلة 7/4/1987 تمت استعادة السدة كاملا بهجوم سريع وبإسناد ناري كثيف، وبذكاء اعلامي صدر بيان للقيادة العامة لإعادة الثقة بالنفس... وجرت مراسيم تكرام للعديد من القادة والآمرين حتى مستوى الجنود المقاتلين الذين أظهروا أداءا مميزا... وتمت ترقية قائد الحرس الجمهوري الى رتبة لواء ركن...
في 13/4/1987 عادت فرقتنا الى منطقة قلعة صالح... وبدأ الفرس سلسلة هجمات في قاطع عمليات الفيلق الثاني، إلا أن معظم تلك الهجمات منيت بفشل ذريع... فغيروا اتجاهات هجماتهم الى قاطعي الفيلق الاول والفيلق الخامس للاستفادة من وعودة المنطقة ومن معاونة خونة أكراد الطلباني والبرزاني....
فجر يوم 18/5/1987هاجمت احدى طائراتنا المقاتلة بالخطأ فرقاطة امركية (تدعى ستارك) تعمل ضمن القوات البحرية الامريكية والاوروبية في الخليج لتأمين التجارة البحرية... وقتل في ذلك الهجوم 37 بحارا أمريكيا... أعلن العراق أسفه لهذا الحادث الغير مقصود، مع استعداده لتعويض اسر الضحايا ((دفع العراق ثمانمائة الف دولار عن كل جندي... والطريف في الأمر، ان الرئيس الامريكي رونالد ريغان كان يومها في المستشفى تمهيدا لخضوعه لعملية جراحية، وحين سمع النبأ من مساعديه، قال على الفور: هؤلاء الايرانيين الـعهرة.... فقال له المساعد: انهم العراقيون يا سيدي وقد قصفوها بالخطأ.... فرد ريغان: على كل حال يبقى الايرانيون عهرة!!!))... في 26/5/1987 كانت الايام الاخيرة لشهر رمضان المبارك... لقد بدأ العراقيون يشعرون بوطأة الحرب... حيث كثر شهداؤنا وصارت أرقامهم مقلقة بعض الشيء...
في 16/6/1987 كانت نشرات الاخبار تشير الى مساعي مجلس الامن لاستصدار قرار ملزم بإيقاف الحرب خلال فترة محددة... ورافق تلك الاحداث استدعاء "الشهيد" صدام حسين لقائد الحرس الجمهوري للاستعداد لعملية تحرير الفاو... وفي يوم 21/6/1987 خرجنا لاستطلاع محورنا باتجاه الفاو... وفي اليوم التالي طور العدو هجومه واحتل جبل ماوت... وبدأ بتوسيع مناطق احتلاله... بناء على ذلك صدرت الاوامر لفرقة بغداد حرس جمهوري ولوائي قوات خاصة حرس جمهوري بالتوجه نحو القاطع لصد العدو في قاطع الفيلق الاول... وفي 26/6/1987 اعلن عن انتصارات مهمة لقواتنا هناك... وفي 11/7/1987 اعلن بيان القيادة العامة عن استعادة جزء من السدة الشرقية لحقل مجنون الجنوبي من قبل قوات الحسين، وهي فرقة مشاة بقيادة العميد الركن يالجين عمر... وتم أسر أكثر من خمسين جنديا فارسيا... وبعد اسبوع استعادت الفرقة 22 بقيادة العميد الركن طارق عارضة كيسكة.... وفي 25/7/1987 جرت تغييرات في تركيبة القيادة العليا للقوات المسلحة.. فعين الفريق نزار الخزرجي رئيسا لأركان الجيش بدلا من الفريق سعد الدين عزيز... وعين قائد الحرس الجمهوري بمنصب معاون رئيس أركان الجيش للعمليات، وعين قائدا للحرس الجمهوري اللواء الركن إياد فتيح الراوي وهو من القادة العراقيين المشهود لهم بالشجاعة والاصرار على تحدي المعضلات....
في 18/7/1987 أعلن مجلس الامن قراره رقم 598 القاضي بوقف الحرب بضمانة دولية، وبعد 48 ساعة وافق العراق على ذلك القرار... بينما لم يرد الجانب الفارسي... وفي 28/7/1987 اعلن العراق اسقاط طائرة سورية مقاتلة من نوع ميغ 21 فوق مجمع عكاشات الصناعي غرب البلاد – مع الاسف الشديد – وفي يوم 31/7/1987 وخلال موسم الحج، قام الفرس (معظمهم قوات شعبية متخفية بزي حجاج) باستفزازات ومظاهرات لقوات الامن السعودية... فراح ضحية تلك الاحداث 420 قتيلا و630 جريحا.... وفي 15/8/1987 أخبرني صديقي آمر الصنف الكيماوي – حرس جمهوري – حازم عبد القهار الراوي بأنني قد رشحت للنقل الى مقر قيادة الحرس الجمهوري... وفي 4/9/1987 اعلنت "الكويت" أن منشأتها النفطية قصفت بصاروخ ايراني... فرد العراق على ذلك بضرب منشأت نفطية مهمة للعدو بواسطة طائرات متطورة تقنيا... وبمدى طويل بلغ 1250 كم... فعبر الفرس عن صدمتهم لهذا الانجاز العراقي المشرف بقصفهم الاجرامي لمدينة البصرة وبشدة.... وفي 13/9/1987 زار بغداد لامين العام للامم المتحدة خافيير بيريز دوي كويلار... وفي 22/9/1987 اشتبكت البحرية الامريكية مع الفارسية، فأعلنت البحرية الامريكية عن اسقاط ثلاث سفن حربية فارسية.. وقبل ذلك بيوم شنت 64 طائرة مقاتلة عراقية هجمات على قوات العدو المحتشدة امام قاطع الفيلق الثاني... وبدأ الفرس يروجون لمقولة ان هناك حلفا عراقيا امريكيا ضدهم... وراحوا بكل وحشية واجرام يقصفون بغداد بصواريخ أرض – أرض...
يوم 13/10/1987 كان يوم حزن في كل العراق حين قصف الفرس بوحشية اجرامية صاروخ ارض – ارض فأصاب مدرسة بلاط الشهداء، وكان ذلك في الساعة الثامنة والربع صباحا عند اصطفاف الطلاب الصغار.... فراح ضحية ذلك القصف المجوسي الاجرامي 32 طفلا شهيدا.. وجرح 182 طفلا... وصاحب ذلك حملات استنكار دولية على ذلك العدوان الاجرامي الخميني المجوسي.... وفي مساء يوم 8/11/1987 صدر الامر بالتهيؤ للتخطيط لتحرير الفاو وتقديم دراساتنا العملية مع باقي فرق الحرس الجمهوري... وفي 11/11/1987 صدر البيان الختامي لقمة عمان التي سميت بقمة الوفاق والاتفاق والتي جمعت الشهيد صدام حسين مع حافظ الاسد.... وفي 19/11/1987 اعلن العراق اسقاط طائرتين من نوع اف 5... وكذلك عن ضرب مباني المفاعل النووي الفارسي بقنابل موجهة بالليزر... فأعلن الفرس بشكل مفاجيء التعبئة العامة... وفي 13/12/1987 صدر أمر نقلي الى مقر قوات الحرس الجمهوري... وبذلك انتهى عام 1987 ونحن نتابع تحشدات العدو في القاطع الشمالي...
في الصفحات 140 – 141 – 142 يوجد خريطة معركة الحصاد الاكبر وخرائط المعارك الاخرى....
المرحلة الرابعة والاخيرة
معارك الحسم عام 1988
معركة تحرير الفاو (ابتداءا من ص 143 من الكتاب)
في العام المنصرم حقق العدو بعض النجاحات واحتل بعض أجزاء وطننا الغالي، لكن نجاحاته لم تكن سهلة، بل مكلفة جدا.... هذه المرحلة هي مرحلة تحرير الاجزاء المغتصبة من وطننا الغالي، والتي بدأت بتحرير الفاو، وقد أسماها الشهيد صدام حينها (مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم)، وانتهت هذه المرحلة بمعركة توكلنا على الله الرابعة التي أوصلتنا الى الانتصار الكبير في هذه الحرب... لقد تمنت القوى الكبرى المعادية أن يخسر العراق هذه الحرب ماديا ومعنويا لثنيه عن برنامجه الطموح والداعي الى إحياء ودعم مشروع تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني...
في الفترة من 17-22/1/1988 شن العدو سلسلة من الهجمات المتلاحقة في قاطع عمليات الفيلق الاول... سقطت فيها عارضة جبلية مهمة تدعى احمد رومي... كذلك مواضع الالوية المدافعة فيها (اللواء 83 واللواء 603).... كانت الظروف المناخية صعبة للغاية... حيث غطت الثلوج المنطقة كلها.. وبلغت سماكة الثلج مترين.... وأسر واستشهد عدد كبير من جنودنا.... كان الموقف العسكري العام على جميع الجبهات في حالة ترقب شديد مع وجود احتمال كبير بقيام العدو بتوسيع فعالياته في الشمال... كل ذلك وسط جو إعلامي مؤذي للغاية حيث كانت تصريحات الخصوم السياسيين والعسكريين تطلق من دون حساب... كان الكل يترقب اعلان عراقي بخسارة الحرب مع الفرس!!!!
في 19/2/1988 أشيع في بغداد أن هناك حملة متوقعة لإخلائها من سكانها لاحتمال قيام العدو خلال ذوبان الثلوج بتدمير السدود المقامة شمال القطر وإغراق العاصمة.... وكانت تصدر بيانات من التصنيع العسكري تبشر بتطوير صناعة صواريخ أرض – أرض بمدى طويل يصل الى 1000كم....
في 25/2/1988 قصف العدو بغداد بصاروخين أرض – أرض.. فشنت طائراتنا المقاتلة يوم 27/2/ غارة عنيفة على مصافي النفط في طهران وكذلك قصفت طهران نفسها بصواريخ الحسين أرض – أرض التي يبلغ مدراها 650 كم.. وكانت انجازا عظيما للصناعة العسكرية العراقية... ثم وسع العراق ضرباته بقدرته الجوية المقتدرة لتشمل اصفهان اضافة الى العاصمة.... فرد العدو بقصف الموصل وتكريت... وكانت نسبة الصواريخ لصالح العراق بمعدل 6/2........ فعم الرعب بين المواطنين في كلا البلدين... وفي 10/3/1988 أعلن العراق من جانب واحد ايقاف حرب المدن بإنذار 24 ساعة شرط أن تكون آخر ضربة عراقية تعبيرا عن الاقتدار... فنفذت احدى عشر رمية صواريخ ارض – ارض و26 غارة على المدن الفارسية...
في ليلة 13/2/1988 شن العدو هجوما محدودا على قاطع الفيلق الثاني، إلا أنه باء بالفشل الذريع.... وفي ليلة 15/2/1988 شن العدو تعرضا واسعا على القاطع الشمالي الشرقي مستهدفا منطقة خور مال – حلبجة، وتمكن من احتلالها وأسر قائد الفرقة المدافعة (الفرقة 34 مشاة، العميد الركن علي العلكاوي) مع عدد من الضباط والمراتب... فشكل ذلك صدمة في معنويات قواتنا.. واصبح الموقف مقلقا جدا ومشابها لما حدث عام 1986 حين خسرنا الفاو.... وفي محاولة لتردي الموقف اصدر قائد الفيلق اللواء الركن كامل وبدعم من رئيس أركان الجيش الفريق نزار الخزرجي أوامر بإعدام عدد من الضباط والجنود... لكن آمر اللواء 66 قوات خاصة، العميد الركن جعفر الصادق تسلل ليلا الى بغداد ووصل الى "الشهيد" صدام وقابله وترجاه الأمر بوقف الاعدامات.... فأوقفها... وكان مقدم اللواء العقيد الركن وفاء وعدد من الجنود قد نجوا منها... وزاد الامر سوءا في تلك الفترة ان تمكنت الفرقة 84 الفارسية من التوغل في مدينة حلبجة ((أرجوك انتبه أخي القاريء لإسم المدينة وللتاريخ الذي هاجمتها فيه الفرقة المجوسية... وقارن ذلك مع ضرب حلبجة بالكيماوي وتأكد بنفسك من الذي قصف حلبجة بالكيماوي... هل الجيش العراقي العظيم ام الجيش المجوسي الفارسي القذر؟؟))... بهدف مهاجمة مرتفعات شميران المشرفة على حلبجة ومن ثم الاندفاع نحو السليمانية عبر مفرق سيد صادق...
لكن المشرف على الحرس الجمهوري حسين كامل) قاد آمري المدفعية (العميد س) وآمر الصنف الكيماوي العقيد الركن (ح) مع قوة مدفعية خاصة تتألف من ست كتائب، منها كتيبة راجمات الصواريخ محملة برؤوس كيماوية نوع صقر آمرها المقدم ر. م... فضربت الفرقة المجوسية الفارسية بآلاف المقذوفات وبـ 720 صاروخا... وكبدتها خسائر فادحة، ما اضطرها الى اخلاء المنطقة والانسحاب الى داخل الدولة الفارسية... ولكن للاسف وقع ضحية ذلك الهجوم 150 مواطن كردي لم يغادروا المنطقة... على ان معظم سكان حلبجة كانوا قد غادروها منذ بداء العمليات....
وأكدت بعض القيادات الكردية إضافة الى مصادر جيشنا أن الفرس استخدموا الاسلحة الكيماوية في تلك المعارك.... وبنفس الوقت تم تنفيذ خطة عسكرية كبيرة مخادعة حين فتحت القيادة العامة مقرا لها في السليمانية مع تغطية اعلامية لوزير الدفاع نائب القائد العام الفريق (المرحوم الشهيد) عدنان خير الله وذلك لابقاء الجهد الرئيسي المعادي في ذلك القاطع، ولتسهيل عملية تحرير الفاو التي أصر لشهيد صدام على تحريرها بأسرع وقت...
في 19/3/1988 شنت المقاتلا العراقية سلسلة من الغارات العنيفة على أربع مدن فارسية... وأعلن بنفس الوقت عن نجاح هجوم صاعق نفذته القوات العراقية على أوكار الخائن جلال طلباني.. لكنه نجا ((مثلما ينجو الفأر من مخالب الذئب)) لأنه كان خارج وكره... وفي 2/4/1988 شنت الفرقة المدرعة العاشرة سلسلة من الهجمات في قاطع حلبجة.... لكن ليلا طويلا خيم على طول ساحة الحرب وبات الأمل بالنجاح ضئيلا...
في 7/4/1988 طلب مني رئيس أركان الحرس الجمهوري اللواء الركن ابراهيم الآغا الحضور إلى دائرته... وإذ به يطلب مني أن أقسم على المصحف الشريف بكتمان التخطيط لمشروع عمليات تحرير شبه جزيرة الفاو بالتعاون مع الفيلق السابع، والقوة الجوية، والقوة البحرية، وطيران الجيش...
وكان مجمل تخطيط الحرس الجمهوري يقوم على الهجوم بجبهة فرقتين وعمق فرقة ثالثة مع الاحتفاظ بفرقة رابعة كاحتياط.... كنت العضو الثالث في فريق التخطيط الذي ضم بالاضافة الى ضابط استخبارات الحرس الجمهوري العقيد الركن حازم مهدي، والعقيد الركن نظام طه، إضافة للقائد ورئيس أركانه... كان عملنا مضنيا... لكنه كان مرغوبا لسببين: الثقة التي حصلنا عليها، والرغبة بالمشاركة في اعداد المشروع الكبير لتحرير جزء عزيز من الوطن....
بدأنا بهيكل الخطة العامة (فكرة العمليات)، ثم جدول محاور الاستحضارات، مع جدول زمني لخطة التحشد وخطة المخادعة، وكان اجمالي الالوية المخصصة عشرين لواء مختلفا، و44 كتيبة مدفعية وصواريخ، بالاضافة الى آلاف الاطنان من مواد تموين القتال، وخمس كتائب هندسة... مع قيامنا بالاستطلاعات الرئيسية والتفصيلية لبعض المحاور والاهداف... وكان الموضوع حساسا جدا، وعليه كان يجب على قواتنا تحقيق النصر المنشود...
وإلا...
فسوف نخسر الحرب لامحالة... لقد كان قرار صدام بابقاء مركز ثقل الاستراتيجية العراقية في أدنى الجنوب قرارا شجاعا مبنيا على حسابات دقيقة..مع مجازفة كبيرة في ظل ظروف قاسية.... ورافق ذلك خطة مخادعة سوقية (استراتيجية) أعدت بدقة عالية... حتى ان رئيس أركان الجيش الفريق نزار الخزرجي كان يعتقد ان تلك الخطة هي الحقيقة... وفقا لما سمعناه من مدير الاستخبارات العسكرية... وكان أمرا غريبا فعلا ان يستبعد رئيس أركان الجيش من المشاركة والاشراف على أخطر عملية في الحرب، في حين أشرك معاونه للعمليات الفريق الركن حسين رشيد التكريتي، ومدير الاستخبارات العسكرية اللواء الركن صابر عبد العزيز الدوري،
وفي غرفة عمليات الحرس الجمهوري وحال تحرير الفاو، قال صدام لرئيس أركان الجيش بالحرف الواحد: لقد دخلت التاريخ يا فريق نزار من أوسع أبوابه في هذه المعركة... لأنك رئيس أركان هذا الجيش العظيم... فرد عليه: شكرا سيدي.. مع نظرة فيها الكثير من العتاب.. فسرتها وأنا اراقب ملامح وجهيهما بأن ذلك نوع من الترضية لرئيس أركان الجيش...
كان للقرار الاستراتيجي بتحرير شبه جزيرة الفاو له ما يبرره:
70% من قدرة العدو تعمل في ساحة العمليات الشمالية.
60% من القوة المدافعة في قاطع شبه جزيرة الفاو المحتل قد تحركت شمالا.
توفر معظم قوات النخبة في الجيش العراقي في قاطع الجنوب، ومنها قوات الحرس الجمهوري..مركز ثقل الجيش..
اصبحت الفاو اكثر من هدف سياسي ووطني وشكلت حاجزا نفسيا صعبا للغاية.. وتحريرها سيشكل ولاشك منعطفا خطيرا لصالحنا..
وكان "كبير السحرة الدجالين" المنافق خامنئي، وعند احتلال الفاو، قد صرح "إذا ما تمكن صدام حسين من استرجاعها، فإنني سأذهب بنفسي إلى بغداد لتهنئته"... لكن صدام ورجاله حرروا الفاو وغير الفاو ودعسوا على رقبته وعلى رقبة الخميني وجرعوهم كأس السم الزعاف...ولم تتدنس شوارع بغداد بالحاخام الخامنئي....
كانت المعلومات المحصلة عن الفاو جيدة... فآخر تصوير جوي للقاطع كان بتاريخ 30/3/1988 احتوى على تفاصيل دقيقة جدا عن توزيع القطعات والاسلحة والعقد الدفاعية والاسلحة الساندة... وتم اعداد مسرح قتال مشابه لمسرح قاطع العمارة، وتدربت معظم الوحدات والتشكيلات على طبيعة الارض، وثابر قائد الحرس الجمهوري على رفع قدرة قواته لبلوغ المستوى الذين يؤمن لها الظفر بالمعركة لتحرير الفاو...... وهي المهمة التي أقسم على تحقيقها حين استلم مسؤولية الحرس الجمهوري، وكان صدام موفقا في اختيار هذا القائد المثابر والشجاع جدا ((اللواء إياد فتيح الراوي))
كانت مهمة تحرير الجزء الغربي ملقاة على عاتق فرقة المدينة المنورة، حرس جمهوري، والذي يبدأ من خور عبد الله الى نصف قاطع المسؤولية، وبالعمق الى المشروع 81 (مشروع قديم لصواريخ البحرية العراقية)، أما مسؤولية فرقة بغداد، حرس جمهوري، فكانت على الطريق الاستراتيجي الذي يحد قاطع مسؤولية الفيلق السابع إلى الحدود الفاصلة مع فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري وبالعمق الى نهاية منطقة المملحة.... أما مهمة فرقة حمورابي حرس جمهوري فكانت الصفحة الثانية، وهي تحرير الفاو بالتعاون مع جهد الفيلق السابع والاندفاع الى رأس البيشة، أي الى رأس المثلث البري العراقي المطل على الخليج العربي... أما فرقة نبوخذ نصر
حرس جمهوري بقيادة العميد الركن أزهر عبد الله فهي فرقة احتياط....
وبعد العرض جرت تعديلات على خطتي فرقة المدينة المنور بقيادة العميد الركن أحمد حماش، وفرقة حمورابي بقيادة العميد الركن ابراهيم عبد الستار... أما خطة فرقة بغداد حرس جمهوري بقيادة العميد الركن عبد الواحد شنان فكانت مستوفية... وكانت أعقد الاعمال والمهام هي الجهد الهندسي الذي كان يتمحور على فتح الممرات والمجازات وتأمين اكساء المنطقة الرخوة لتسمح باندفاع الدروع والعجلات عبر فرش حصر معدنية، وكذلك اكساء الممرات بمادة السبيس والحصى، علاوة على تأمين الجسور الصغيرة وتهيئة وسائد الاحذية العريضة لمنع غوص أرجل قطعات الصولة... وكانت الهمة عالية والحمد لله... وكانت ضمن واجباتي كضابط ركن عمليات عرض ما نتوصل اليه على معاون رئيس أركان الجيش، ومنه الى الشهيد صدام، حيث كنت استقل طائرة مروحية الى مديرية الاستخبارات العسكرية برئاسة اللواء صابر عبد العزيز الدوري لاطلاع الشخص المخول على الخطة، وهو وفيق السامرائي... ثم استقل احدى عجلات ديوان الرئاسة الى مبنى القيادة التي اتخذت آنذاك من أحد قصور الضيافة مقرا لها (قصر بغداد)....
يوم بدء العمليات تأخر الى يوم 17/4/1988 لعدم تكامل استحضارات الفيلق السابع بقيادة اللواء الركن ماهر عبد الرشيد، وكان هذا اليوم يصادف أول يوم رمضان، فأطلق الشهيد صدام على هذه العملية مسمى عملية رمضان... وكانت عناية الله سبحانه وتعالى لصالحنا... حيث ساءت الاحوال الجوية مما حد من إمكانيات الرصد المعادي... حيث كان للعدو أكثر من 70 برجا كبيرا للمراقبة...
ليلة الهجوم الكبير حضر صدام وعدنان خير الله الى مقرنا....وأدارا جزءا من المعركة من غرفة عمليات قوات الحرس الجمهوري... وقد كلف نجليه (عدي وقصي) بمشاركة قائدي الحرس الجمهوري والفيلق السابع... فعدي كان مع الحرس، وقصي مع الفيلق السابع
في الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم 17/4/1988 أطلقت أكثر من ألف فوهة نيران القصف التمهيدي المركز... ومن ضمنها ضربة بالسلاح الكيماوي... وبدءا من الساعة السادسة شاركت الدبابات المخصصة لتدمير النقاط الحصينة الامامية من على منصات صنعت لها... وشاركت القوة الجوية وعدد من زوارق البحرية في مرحلة القصف التمهيدي... وفي تمام الساعة السادسة والنصف انطلقت وحدات الصولة لاقتحام الحاجز النفسي الكبير... سرعان ما بدأنا نستمع من خلال الاتصالات البشائر الاولى للنصر... لم تتأخر القطعات المعقبة الاخرى من زف أخبار النصر الواحد تلو الاخر ونحن غير مصدقين من سرعة ذلك النجاح... وبعد مرور ست ساعات كانت كل التشكيلات الامامية في أهدافها عدا قاطع لواء القوات الخاصة السادس عشر حرس جمهوري، الذي كان بإمرة العقيد الركن طلال القيسي.... حيث كان المانع المائي كبيرا وعميقا... وقد تركزت أمامه قوة معادية كبيرة جدا... ومن خلال مواطيء النجاح الاولى، تم دفع القدمة الثانية من الصولة، ومن خلال قاطع اللواء السادس بقيادة العقيد الركن رعد رشاد تم الالتفاف حول مقاومة اللواء السادس عشر... فتم تدميرها بالكامل... وانطلقت الالوية المدرعة بالاندفاع نحو العمق... ومع حلول ليل ذلك اليوم اكملت كافة تشكيلاتنا اهدافها للصفحة الاولى بكل مراحلها.... كذلك وردتنا أخبار النصر في قاطع الفيلق السابع الذي كان يقاتل في القسم الشرقي....
في ليلة 17-18/4/1988 وبعد أن اكملت فرقتنا احتلال أهدافها وكذلك فرق الفيلق السابع، قام آمر مدفعية هذا الفيلق اللواء نايف قصب جنديل بزيارة مقرنا على ضوء توجيه الشهيد صدام بضرورة تكثيف اجراءات التنسيق... فاطلع على موقفنا واطلعنا على مواقف قوات فيلقه.... كان هناك تنافس شديد لكسب شرف دخول الفاو بين الفيلق السابع وقوات الحرس الجمهوري...
بدأت الصفحة الثانية بقصف تمهيدي ونار ساترة، فدارت معركة شديدة... وفي تمام الساعة الثانية عشرة أعلن اللواء 20 حرس جمهوري تتقدمه كتيبة دبابات الفارس التي يقودها المقدم ركن سالم حافظ من اللواء السابع عشر المدرع حرس جمهوري دخول الفاو... وتم رفع العلم العراقي... وتداخل ذلك أيضا مع دخول قطعات اللواء 30 المدرع من الفيلق السابع... فزفت البشرى الكبرى..
وهنا أمر صدام حسين بدمج وتداخل الصفحة التالية دون انتظار مرحلة ترصين الهدف، حيث اندفعت فرقة حمورابي حرس جمهوري لتحقيق واكمال الصفحة الثالثة... فواصل لواء المشاة 23 حرس جمهوري بقيادة العقيد الركن صالح يوسف الى رأس البيشة... فأمر الشهيد صدام بالسماح للعدو المهزوم بعبور شط العرب على جسر الانابيب المقام من قبلة لاشاعة روح الهزيمة في قطعات العدو في الضفة الشرقية لشط العرب... ثم وبناء على رجاء أعضاء القيادة العامة، وخاصة الطيار الحكم التكريتي، اكتفينا بتدمير ذلك الجسر بالقوة الجوية... ذلك أن الشهيد تساءل فيما لو كان لنا امكانية العبور الى الاراضي الفارسية لتأكيد الاقتدار العراقي.... وفيما بعد كتب صدام بيان النصر العراقي المبين وأملاه بالهاتف على وزير الاعلام يومها لطيف نصيف جاسم، واذيع البيان على الشعب العراقي العظيم.. فكانت البشرى عظيمة والفرحة أعظم وكان حدثا عراقيا عظيما....
قلب هذا النصر موازين القوى، فارتفعت معنويات قواتنا وشعبنا الى عنان السماء، وحصلت الصدمة بالعدو الفارسي، وكأنه لم يصدق ما حدث... وعصر ذلك اليوم حلق صدام وعدنان بالمروحية فوق الاراضي المحررة... وكانت آثار القصف المدفعي والصاروخي احدى الملاحظات التي تحدث عنها صدام فيما بعد.... لقد تفوق مركز الثقل العراقي الذي نفذ الهجوم على قدرة الخصم... فلم تبد منه ردة فعل نظرا لبعد مركز ثقل قواته المتواجد في أقصى الشمال.... وكانت تضحياتنا مقبولة نوعا ما... فلم تتجاوز الف شهيد.. في حين عند احتلال الفاو خسرنا حوالي الخمسين الف شهيد... ولا شك ان العدو خسر الالاف المؤلفه من جنوده في تلك المعركة الميمونة المظفرة... لقد دلت هذه المعركة على حب الوطن وقدرة قواته المسلحة وعلى استعداد الشعب للتضحية من اجل كرامة الوطن وطهارة ترابه...
لقد حدث ما توقعه صدام في أن معركة تحرير الفاو هي بوابة النصر الكبير، وانها معركة المنعطف لكسب الحرب... وهنا ادعى الاعداء الفرس ان كسب معركة الفاو كان نتيجة تحالف امريكي عراقي، وان جنودا امريكيين شاركوا بالمعركة الى جانب الجنود العراقيين!!!! وذهب بعض التافهين والناعقين والمتفلسفين والمستعربين والمدعين أنهم محللين الى الزعم ان تخطيط هذه المعركة يعود الى ضباط ركن مصريين!!!! وفي الحقيقة كان كلا الادعائين باطلين.... فمعركة تحرير الفاو من الالف الى الياء كانت معركة عراقية مائة بالمائة... لم يتدخل فيها لا الامريكان ولا المصريين الكذابين المنافقين مزوري التاريخ ولا غيرهم.....
في الصفحة 156 من الكتاب يوجد خريطة معركة تحرير الفاو...
معارك توكلنا على الله – الأولى -
(ابتداء من ص 157)
كانت نتائج معركة الفاو (رمضان المبارك) ليلة 17-18/4/1988 رائعة وكبيرة من الناحيتين المادية والمعنوية، وكانت حقا معركة المنعطف الكبير... وقد رافقها ضجة اعلامية عربية كبرى... لقد تمت استعادة المبادأة من العدو، بل انتزاعها منه، وبدأ بعدها يترنح من هذه الضربة التي كسرت فكه الزجاجي... وحاول أن يصورها انها ضربة تحت الحزام... لكننا كعراقيين نعلم قبل غيرنا ان هذه المعركة تم التخطيط لها منذ زمن بعيد.. حتى جاء القرار الاستراتيجي الشجاع للشهيد صدام في الوقت والزمان المناسبين...
صباح يوم 27/4/1988 اقسمت اليمين مجددا على التخطيط لمهمة تحرير أخرى.. ألا وهي مهمة تحرير الاراضي العراقية المحتلة في قاطع الشلامجة... خرجت مع قائد الحرس الجمهوري لاستطلاع ذلك القاطع...وكانت معظم استطلاعاتنا سيرا على الاقدام في الخنادق الامامية لقواتنا المدافعة هناك.... كان التخطيط يجري بسرية عالية كما في المعركة السابقة، إلا أن وضعنا النفسي كان مريحا، وكنا متفائلين جدا... كنا نسهر عدة ليال متوالية، وكان معدل الوثائق التي كنت أحررها وأرسمها يزيد عن ثلاثين وثيقة كل ليلة... وكان ممنوع علينا استخدام الالات الطابعة واجهزة الاستنساخ لشدة ضوابط أمن الخطط... وخلال تلك الفترة اعلن تلفزيون بغداد عن تجربة ناجحة لصاروخ عراقي أرض – أرض بمدى 900 كم اطلق عليه اسم العباس...
في يوم 10/5/1988 استلم قائد الحرس الجمهوري توجيها من القيادة العامة بأن موعد تنفيذ خطة تحرير الشلامجة هو 1/6/1988 بمشاركة الفيلق الثالث الذي سينفذ مهاما ثانوية باتجاه كوت سوادي... أما الجهد الرئيسي المحصور ما بين خشم البحيرة خارج الى شط العرب داخل فسيكون من مسؤولية قوات الحرس الجمهوري....
فجر يوم 14/5/1988 شنت عدة تشكيلات من طائراتنا المقاتلة غارة جوية بمدى 1200 كم على جزيرة لاراك الفارسية النفطية عند مدخل الخليج العربي... حيث اصبح للعراق ذراع طويلة يضرب فيها القدرات المعادية العسكرية منها والاقتصادية...
خلال مرحلة الاستحضارات تأكدت لنا قوة العدو كالاتي: سبعة افواج مشاة في خط جاسم، ستة افواج في الساتر الحدودي شلهة الاغوات، سبعة افواج مشاة اخرى في خط الدعيج، اي العمق، عشرة افواج مشاة احتياط خلف خط الحدود الدولية، اضافة الى فوج دبابات في الخط الدفاعي الثاني من اللواء 3 المدرع، الفرقة 92 المدرعة، وبإسناد 40 مدفعا وقاذفا للصواريخ....
في يوم 25/5/1988 (الساعة 03:45) استلمنا أمرا وقع علينا كالصاعقة... حيث قدم يوم الهجوم الى هذا اليوم بدلا من يوم 26/5/ وصارت ساعة الشروع به 08:30 بدلا من 06:30.. فيا للهول... كيف نعدل ونسرع الخطط؟؟ بينما كل ما لدينا من الوقت هو ساعات قليلة؟!! كان الموقف حرجا للغاية... بل ويصعب وصفه... لكن لعبت أجهزة الاتصال دورها، واندفع ضباط الارتباط وضباط الركن في كل الاتجاهات لتبليغ وتسريع حركات القطعات... وتم تحقيق المطلوب... ثم جرى التعديل وأجلت ساعة الشروع الى الساعة 09:30.... وتم تبليغ جميع التشكيلات باستثناء أحد تشكيلات فرقة بغداد – حرس جمهوري – حيث وصله التبليغ بعدما كان قد عبر خط الشروع بثلاثمائة متر... فأوقفت حركته... وكان موقفا حرجا للواء يقف بين خط الشروع وخط الاماكن الدفاعية للعدو...
في الساعة 09:30 بدأت مئات المدافع وضمن منهج موقوت بتأمين النار الساترة لقطع الصولة وضمنها ضربة كيميائية... فانطلقت الفصائل الامامية بعبور الممرات التي فتحتها القطعات الهندسية في الليلة الماضية... وملأت صيحاتهم الجو بعبارة الله أكبر لتعلو على أصوات المدافع....
ثم انطلقت الدبابات الامامية للتشكيلات المعقبة... وفي الساعة 10:42 استلمنا اول تقرير عن الموقف يفيد باحتلال الخط الدفاعي الاول نهر جاسم... فتعالت الاصوات بالحمد والتكبير... وفي الساعة الحادية عشرة تكامل عبور جحفل معركة كتيبة دبابات ضمنها سرية مشاة آلي من اللواء السابع عشر المدرع – حرس جمهوري – بقيادة العقيد الركن عبد العزيز الحيالي شط نهر العرب بفجوة 500 م على جسر نصبته كتيبة تجسير الحرس الجمهوري.... وقد بذل عناصر الهندسة العسكرية اقصى جهد للمحافظة على سلامة الجسر... وكانت قطعات من الضفادع البشرية من اللواء 26 واجبات خاصة حرس جمهوري قد مهدت لهذا العبور... حيث قضت على المقاومات المعادية في الضفة الشرقية للشط (النهر)... وكان انجاز العناصر رائعا... اعقب ذلك احتلال الجزء الغربي من الخط الدفاعي الثاني (نهر الدعيج) في الوقت الذي استطاعت فيه فرقة المدينة المنورة تحرير الجزء الشرقي من نهر جاسم.... وفي الساعة 12:00 اندفع اللواء السادس عشر قوات خاصة حرس جمهوري لاكمال وتحرير جزيرة الطويلة مع توغل فرقة المدينة المنورة نحو خط الدعيج... وكان لواء المغاوير الثاني عشر واللواء 22 يواصلان تحرير أجزاء أخرى من جزيرة إلى أخرى.... وكان أداء اللواء 12 ممتازا... وفي الساعة 12:30 زار الشهيد صدام مقرنا... وتم أعطاؤه ايجازا عن آخر تطور للموقف....
وفي الساعة 12:50 شرعت فرقة بغداد بالاندفاع نحو خط الدعيج لاكمال الصفحة الثانية، وفي الساعة 13:25 تمكنت فرقة المدينة المنورة من الوصول الى اهدافها.. كذلك أكملت فرقة حمورابي حرس جمهوري أهداف الصفحة الثانية... وفي الساعة 14:45 تم احتلال السدة الحدودية.... وفي الساعة 15:40 تم تحرير جزيرة الفياض... ثم تحرير آخر نقطة في جزيرة شلهة الاغوات... وبذلك اكملت فرق الحرس الجمهوري مهماتها... في الوقت الذي انجز فيه الفيلق الثالث بقيادة اللواء الركن صلاح عبود مهمته بتحرير الارض الوطنية المحصورة بين بحيرة الاسماك والسدة الحدودية.... وفي هذه المعارك استشهد آمر اللواء 24 العقيد الركن بشير وهو في مقدمة قطعاته...
تبادلنا التهاني مع الشهيد صدام... الذي جلس في ركن من مقرنا مع نائبه وزير الدفاع الشهيد عدنان ليكتب نص بيان القيادة العامة لزف البشرى للشعب العراقي الأبي الشهم من خلال وزير الاعلام الذي استلم النص بواسطة الهاتف....
((يوجد خريطة في الصفحة 162 من الكتاب توضح عملية تحرير الشلامجة البطولية))...
المعركة الثانية
تحرير جزر حقول نفط مجنون
قاطع عمليات الفيلق الثالث
(ص 163)
في 12/6/1988 بدأنا بالاستعدادات مرة أخرى لتحرير جزء آخر من تراب الوطن الغالي (على ضوء خطط مستلمة من القيادة)...وهو عبارة عن مجوعة جزر صناعية يقع القسم الاعظم منها داخل حدود الوطن... بنيت لأغراض عمليات استخراج النفط... وهي تنقسم الى شمالية وجنوبية.... الشمالية منها ترتبط مع الدولة الفارسية بسداد ترابية... والجنوبية تتصل بمنطقة السويب... ملتقى نهري دجلة والفرات.....كرمة علي.....
بدأنا في أكثر من اتجاه... تصوير جوي، نقل قطعات ومعدات الاعتدة، جمع وسائط العبور المختلفة الى مسرح القتال.. مثل المسطحات المائية مختلفة الاعماق تكسو معظمها نباتات المستنقعات الكثيفة... كانت قوات العدو تتألف من لواء باسدران، يتكون من خمسة أفواج إضافة الى سرية دبابات من اللواء الثالث المدرع، الفرقة 23 المدرعة باسدران في حقول النفط الجنوبية، ومن 15 – 20 فوجا من المشاة في حقول النفط الشمالية... يسندها ثلاثة افواج مدفعية.... اضافة الى خمسة افواج باسدران شرق عقدة السداد رشيدة....
كان الفيلق السادس بقيادة اللواء الركن (البطل) سلطان هاشم احمد يدافع عن الحافة الغربية لجزء مجنون، والمحاذية لنهر دجلة.. أما الفيلق الثالث فكان يدافع عن الحافة الجنوبية لتلك الجزر... لابد أولا من الاشارة الى جهود صنف الهندسة في هذه المعركة كما في السابق عظيما... وكانت معنويات مقاتلينا تيسر الحلول لأكثر المعضلات...... أعددنا خطط تنقل وتحشد وتجحفل دقيقة لثلاث فرق من الحرس الجمهوري في الامام وفرقة في العمق...
ليلة 12-13/6/1988 قام العدو بشن هجوم مفاجيء على جزء من قاطع الفرقة التاسعة عشر التي كانت بقيادة العميد الركن مجيد السامرائي
من الفيلق الثالث... وذلك في قاطع الشلامجة المحرر... فوجهت عدة تشكيلات من الحرس الجمهوري التي شنت هجوما سريعا طردت فيه القوات المعادية من الموقع..... وسلمته الى قوات الفيلق الثالث التي اجرت ترصين لمواقعها....
كانت خطة الحرس الجمهوري تقوم على استعادة حقول مجنون الجنوبية ثم الاندفاع الى المنطقة الشمالية بقوة فرقتين لكل هجوم... وكان قائد الحرس الجمهوري قد أشرف شخصيا على تدريب المدفعية على نوعين من النيران الساترة: تمركزات نارية، ورميات خطية..... مع انزال قوة لا تقل عن فوج قوات خاصة لقطع طريق انسحاب العدو، ولأسر أكبر عدد ممكن من جنوده...
تم توزيع قطعات الصولة كما يلي:
136 طوفا من القوة البحرية
1460 زورق صولة منها 260 زورق مطاطي
220 زورقا حاملا لأسلحة مساندة
2700 دعامة جسر فليني للمشاة
830 دعامة جسر خفيف للعجلات
12 دبابة تجسير
جسر بانتونات PMP بطول 500 م
إنشاء خمسة أحواض (أرصفة) إنزال قوارب
48 طوفا وبرمائية
138 عجلة قتال PMPI
في الساعة 03:45 يوم 25/6/1988 بدأ القصف التمهدي للمدفعية والصواريخ بحوالي 400 فوهة سلاح..... وفي الساعة 04:15 شرعت قطعات صولة القدمة الاولى بعبور خط الشروع... وبعد حوالي ساعتين أنجزت فرقة حمورابي الصفحة الاولى من المعركة بخسائر قليلة، منها استشهاد آمر لواء المغاوير الثاني عشر المقدم الركن أحمد عكلة، فخلفه وكيله توفيق، وشرعت بتنفيذ الصفحة الثانية...
وفي الساعة السابعة والنصف من نفس اليوم أنجزت فرقة المدينة المنور حرس جمهوري احتلال أهداف الصفحة الاولى وشرعت باحتلال أهداف الصفحة الثانية... وفي الساعة التاسعة أكمل لواء المشاة الالي الخامس عشر حرس جمهوري أهداف الصفحة الثانية... وبحلول الساعة السابعة والنصف مساء تم تحرير جزر مجنون بأكملها... ومن ثم انزال فوج القوات الخاصة من اللواء السادس عشر حرس جمهوري خلف خطوط العدو... وتم الاتصال مع قطعات الفيلق السادس في سدة الدسم....
وكانت التقارير الواحد تلو الثاني تتحدث عن تحقيق الانتصار تلو الانتصار في أعقد عمل تعرضي في تاريخ الجيش العراقي... وكالعادة، زارنا الشهيد صدام ونائبه الشهيد عدنان في مقرنا.... وأشرفا على سير القتال بقلوب مطمئنة واثقة بالنصر... والحمد لله أنجزت قواتنا تحرير جزء آخر عزيز وغالي من وطننا... وبدت ساعة إعلان كسبنا للحرب قريبة جدا... وكالعادة تناقلت وسائل الاعلام العربية والعالمية عبر الاقمار الصناعية صورا عن ذلك النصر العراقي الجديد....
((خريطة المعركة في الصفحة 167)).....
المعركة الثالثة
قاطع الزبيدات
قاطع عمليات الفيلق الرابع
(ص 168)
تأكد بلا شك الاقتدار العراقي، وتأكد لنا أننا بفضل الله كسبنا هذه الحرب الظالمة التي شنت علينا... لقد كانت نتائج التحرير في المعارك السابقة دلالة على انهيار العدو وفقدانه الارادة على القتال، وأن معنويات قادته ومقاتليه اصبحت في الحضيض... وتأكد لنا اصرار القيادة على ادامة زخم التعرض المقابل بهدف استثمار الروح المعنوية لقواتنا اثر الانتصارات السابقة..
استلم قائد الحرس الجمهوري توجيه الشهيد صدام بالتهيؤ السريع لتحرير الأجزاء المحتلة من تراب العراق العظيم في قاطع عمليات الفيلق الرابع – قاطع الزبيدات – بالرغم من قساوة المناخ الحار.. وتعب القطعات التي أنجزت ثلاث معارك كبرى.. وذلك بالمشاركة مع قوات من الفيلق الرابع بقيادة اللواء الركن أياد خليل زكي...
إن ساحة العمليات الجديدة ذات أرض متموجة، وكانت سلسلة حمرين تشكل الجزء الوعر منها، ويعتبر نهر دويريج المحاذي للحدود الدولية مانعا لعمل القطعات المدرعة، حيث يتحدد العبور بالجسور..
أو....
من خلال المخاضات المحدودة....زودتنا الاستخبارات العسكرية بصور جوية جيدة... كانت مهمة قوات الحرس الجمهوري التي حددتها توجيه الخطط للقيادة العامة تتمثل بالهجوم على مواضع العدو في منطقة الشرهاني لاستعادة الاراضي العراقية المحتلة من شمال مرصد القائد بحوالي 2 كم والى منطقة الحدود الدولية جنوب مخفر الشرهاني داخل، وتدمير العدو داخل الاراضي الفارسية من مخفر عنكيزة وحتى شمال جم صريم بحوالي 2 كم... ثم الاندفاع الى منطقة عين الخوش لتدمير مدفعية العدو واسر اكبر عدد ممكن من مقاتليه.. وذلك بهدف معادلة عدد الاسرى العراقيين في معسكرات العدو...
في الصفحة الاولى من هذه المعركة تهجم فرقة بغداد وفرقة المدينة المنورة وفرقة نبوخذنصر مع الضياء الاول ليوم 12/7/1988... من مرصد القائد وحتى مخفر عنكيزة.... وتبقى فرقة حرس جمهوري احتياط... اما في الصفحة الثانية فتهجم فرقة بغداد وفرقة المدينة المنورة وفرقة نبوخذ نصر على مواضع العدو في مفرق الطريق العام ونهر دويريج وتصل الى عقدة الطريق شمال جم صريم للوصول الى عين الخوش وموسى الحادي في العمق الفارسي.... خرجت مع قائد الحرس الجمهوري لاستطلاع نهائي لأهدافنا، اولا بواسطة مروحية، ثم بواسطة عجلة استطلاع صغيرة...
بعد اكمال التحشدات، بدأت العملية في الساعة 06:45 من يوم 12/7/1988 بقصف تمهيدي شديد من مدافع وصواريخ اكثر من 40 كتيبة مدفعية... وفي الساعة 07:15 عبرت قطعات الصولة خطوط شروعها تحت ستر نار المدفعية والدبابات.. وفي الساعة 07:40 من نفس اليوم اكمل لواء المشاة 19 حرس جمهوري واللواء 11 مغاوير احتلال الساتر الاول... واندفع لواء المشاة 20 ولواء المشاة الخامس ولواء المشاة 22 لاحتلال الساتر الثاني... وفي الساعة الثامنة صباحا بدأ القتال في الساتر الثاني... وفي الساعة التاسع والربع تم احتلاله... وفي الساعة 10:40 اكمل الفوج الاول من اللواء السادس عشر قوات خاصة حرس جمهوري احتلال هدفه شمال نهر دويريج... وفي الساعة 11:32 بدأ قتال الصفحة الثانية... وفي الساعة 12:57 اكملت اهداف الصفحة الثانية وشرعت وحدات الهندسة بإزالة السواتر فورا...
حضر الشهيد صدام الى مقرنا للاشراف على التنفيذ وكان هاديء الاعصاب... يتفحص تقارير الموقف بدقة، ويستمع باهتمام لشرح قائدنا عن سير العمليات ويبدي ملاحظاته، ثم يتصل بالقادة المتنفذين واحدا بعد الاخر يبارك لهم الانتصارات، وكواثق بالنصر أشار الى ضرورة اسر أكبر عدد ممكن من جنود العدو وتدمير ما يمكن تدميره من أسلحة وعتاد...
في يوم 14/7/1988 تم احتلال مقر الفرقة 21 الفارسية، ومقر عملياتهم، وسبق ذلك انزال فوج قوات خاصة من اللواء السادس عشر حرس جمهوري بواسطة الطائرات السمتية في عين الخوش، وتم الوصول الى منطقة جنانة، وكان مجموع اسرى العدو قد بلغ 7221 اسيرا بين ضابط وجندي... وكنا نتابع عمليات تطور الخطة بالطائرات، وكنت استقل واحدة من نوع غازيل.... كنا نضطر للهبوط اكثر من مرة عندما يتسلم الطيار تحذيرا بوجود طيران معاد.. وحصلت حادثة مؤسفة حين استشهد بنيران صديقة صديقي المقدم قدري شاكر صالح وكان مساعدا لي حين كنت آمرا لكتيبة دبابات الحمزة... كذلك وللاسف استشهد أحد الصحفيين العرب الذي كان يتجول بين قطعاتنا....
كانت هذه المعركة تتميز بأنها جرت بأقل وقت من التحضيرات ونطاقها كان واسعا جدا وتطور خلال مراحل التنفيذ، كما انها كانت المعركة التي اسر فيها أكبر عدد من جنود العدو... وهي المعركة التي نفذ فيها جيشنا اكبر نطاق مناورة... وكانت مفخرة للجيش العراقي العظيم سجلت له انه ناور بفيلقي عمليات ثقيلين بتوقيتات وظروف عملياتية تعتبر قياسية جدا تعجز عنها جيوش دول كبرى... كذلك في هذه المعركة فقد العدو ارادته في القتال، حيث كان افراده لا يبذلون جهدا كبيرا للتخلص من الاسر... فقد كانوا يستسلمون فورا....
((خريطة المعركة في الصفحة 173))...
المعركة الرابعة
قاطع سربيل زهاب كيلان غرب
قاطع عمليات الفيلق الثاني
(ص 174)
صباح يوم 18/7/1988 بدأت قوات الحرس الجمهوري بالتنقل من قاطع عمليات الفيلق الرابع الى قاطع عمليات الفيلق الثاني خانقين – جلولاء.. على اثر صدور توجيه القيادة العامة للهجوم على العدو في اراضيه بين منطقتي امام حسن – وسربيل زهاب لتدمير واسر اكبر عدد ممكن من قواته والاستيلاء على الاف الاطنان من العتاد المتواجد في ذلك القاطع، واجباره على ايقاف العدوان.... قبل ذلك بيوم كنت استمع من راديو السيارة التي كنت استقلها ان الفرس اعلنوا قبولهم لقرار مجلس الامن 598... وكانوا قد رفضوا ذلك القرار قبل عام بعجرفة وغطرسة فقد كانوا لاينوون وقف القتال الا بعد اسقاط النظام السياسي في العراق..... وبعد هذا الاعلان الفارسي بدأت القيادة العامة عندنا تضغط لسرعة اكمال التحشدات كي لا يتعرض العراق لضغوط دولية لايقاف الحرب قبل ان نحرم العدو من امكانياته المادية وكذلك لأسر اكبر عدد ممكن من قواته لمعادلة موضوع الاسرى بين الطرفين.... كذلك علمت عن عبارات اليأس التي أطلقها الدجال خميني حين توسل اليه قادته قبول وقف اطلاق النار وهم ينقلون له حقائق الموقف العام.... حينها قال ذلك المقبور: اني اخولكم قبول هذا القرار وكأني أتجرع كأس السم الزعاف... وكان لايتحدث الا الحقيقة...
كانت ساحة العمليات عبارة عن منطقة جبلية تكتنفها عدة سهول كبيرة تقع بين سلاسل متعددة من الجبال، واهم هذه السهول سهل سربيل زهاب وسهل امام حسن... وكان يخترق تلك الساحة نهر الوند وبعض الوديان الكبيرة كوادي كيلان غرب ونفط تولك وكنكاتوش... وتمر في هذه الساحة عدة طرق اهمها الطريق الدولي – طهران – بغداد عبر سربيل زهاب – قصر شيرين – خانقين، وكذلك الطريق الحدودي جاي حمام – كوهينة – قصر شيرين وطريق قصر شيرين – خانقين...
يوم 22/7/1988 وفي الساعة 06:45 بدأت مدفعية الحرس الجمهوري بالقصف على المواضع الامامية وعلى بعض المواضع التعبوية في العمق واخرست عددا من مدفعيات العدو وبمشاركة القوات الجوية.... وفي الساعة 07:15 شرعت قوات الحرس الجمهوري بتنفيذ خططها.. فاخترقت قطعات الصولة خط الحدود الدولية باتجاه سربيل زهاب – وامام حسن على مراحل بالوقت الذي شرع فيه الفيلق الثاني (الفرقة المدرعة العاشرة والفرقة الالية الخامسة) بالاندفاع على محوري مندلي – سومار – نفطخانة – جبل درامان... وبعد قليل بدأت التقارير تتحدث عن الانتصارات الاولى وتؤكد عدم جدية العدو في القتال....كلفت بتدقيق الموقف حيث وصلت قطعاتنا بالعمق نو باي طاق عبر كلي داود... ثم عدت الى سربيل زهاب حيث تمركزت هناك معظم تشكيلات فرقة نبوخذ نصر حرس جمهوري... رجعت الى مقرنا التعبوي عبر قصر شيرين ثم المنذرية...
في الساعة 10:37 زارنا الشهيد صدام ونائبه الشهيد عدنان حيث اصدر عدة توجيهات لقائدنا حول تطوير الموقف بجميع الاتجاهات، وخاصة باتجاه كيلان غرب واحتلالها والاتصال بطلائع الفيلق الثاني، الفرقة الالية الخامسة... واسر ما لايقل عن عشرة الاف جندي من جنود العدو... واشار الشهيد علينا بضرورة استخدام القوات المحمولة لإحكام السيطرة على عقد الطرق... كذلك كلفت فرقة القوات الخاصة حرس جمهوري بقيادة العميد الركن وعد الله مصطفى بالاندفاع لاحتلال محافظة كيلان غرب، على أن يؤمن اللواء الثامن عشر آلي حرس جمهوري الاتصال بها....
وتم إنزال اللواء السادس عشر قوات خاصة بواسطة طائرات سمتية على المرتفعات المطلة على مدينة كيلان غرب... وفي الساعة 19:00 قبل الغروب دخل احد افواج القوات الخاصة مدينة كيلان غرب... وفي اليوم التالي 24/7 دفع اللواء المدرع التاسع حرس جمهوري نحو قلعة شاهين لتدمير قوة تعادل سرية دبابات معادية كانت هناك... حين اكمل مهمته اتصل مع الفرقة الالية الخامسة... هذا في الوقت الذي قامت فيه سرايا التموين والنقل بأقصى جهد لنقل الاعتدة المستولى عليها... وكانت بأرقام فلكية ما اضطر مقرنا لاتخاذ قرار بتدمير ما يمكن اخلاؤه....
كانت اعداد الاسرى من العدو تتضاعف، وقامت الطائرات بنقل عدد كبير منهم الى مناطق بعيدة، وكان منظرهم وهم يلوحون للطائرات للاستسلام أمرا لايصدق... وعند نزول اي طائرة لنقلهم، كانوا يتدافعون اليها بالمناكب... وقد افاد احدهم وهو برتبة رائد ان رفسنجاني زارهم يوم 18/7 وطلب اليهم بذل الجهد بعدم الاستسلام لان العراقيين لن يتجاوزون كثيرا في العمق الفارسي!!!!
كان صدام قد اصدر في اليوم التالي لهجومنا أمرا لكل فيالق الجيش بالتعرض اللامركزي لاستعادة اي شبر من تراب الوطن لازال خارج سيطرتنا... فاندفعت عدة تشكيلات من كل فيلق ومنها الفيلق الخاص (المتقاعدون) بقيادة الفريق الركن اسماعيل تايه النعيمي فاستعادوا كل الاجزاء المحتلة... وكان الفيلق الثالث قد ذهب بعيدا نحو الاحواز الى معسكر حميد الفارسي ودخل بمعركة.... وخاصة اللواء الثاني عشر المدرع بقيادة العقيد الركن محمد يونس أمين... وفي هذه المعركة استشهد قائد الفرقة الثالثة اللواء الركن طاهر عبد الرشيد بحادث سقوط طائرة كان يستقلها... استعدنا قمم سيف سعد وسانويا، وبعض الروابي: جلات – الدراجي – الصدور..
في ليلة 25-26/7 وفي ساعة متأخرة اتصل وزير الدفاع – نائب القائد العام – الشهيد عدنان خير الله، وكنت آنذاك ضابط ركن خفر العمليات، وكان يستفسر عن الموقف، وقد طلب مني عدم ايقاظ قائد الحرس الجمهوري وعدم ازعاجه تقديرا منه لراحة قائد يدير معركة... فاعطيته الموقف، وقد خمنت وجود الشهيد صدام الى جواره... وكانت لدماثة اخلاقه اثرا كبيرا في نفسي... وفي ليلة 27-28/7 صدر الامر لقواتنا التي توغلت في الاراضي الفارسي بعمق 70 كم بالانسحاب منها وتدمير كافة الاعتدة والاسلحة التي لن تستطيع اخلائها... واستغرقت عملية الانسحاب 48 ساعة... كانت مشاعر الجميع لاتوصف... فقد انتصرنا والحمد لله...
في 6/8/1988 تحركت قواتنا باتجاه الجنوب (العمارة والبصرة) وقد رفعت أعلام النصر، أعلام العراق العظيم على رؤوس أرتالها......... ومساء 8/8/1988 أعلن صدام عبر رسالة متلفزة أن العراق وافق على الدخول بمفاوضات مباشرة مع الدولة الفارسية، مع أيقاف القتال، وانهاء الحرب التي استمرت ثمان سنوات... تلك الحرب التي كانت توقعات الخصوم تقول انها ستنتهي لصالح الفرس.... وعلى إثر هذا الاعلان خرجت الجماهير العراقية في كل مكان تعبر عن فرحها الغامر بهذا النصر العظيم بشيء لا يصدق.... موجات لاتنتهي من العراقيين تخرج الى الشوارع والساحات العامة...
وفيما أنا أتابع هذا المنظر الرائع للنصر من خلال شاشة التلزيون في مقر الحرس الجمهوري بالبرجسية تراءى لي كل الشهداء الابطال الذين جادوا بدمائهم الزكية ليصنعوا هذا النصر مع من ظل من رفاقهم المقاتلين.... وتراءت لي صور لا تنتهي من صور البطولة والجهاد لجيشنا... صور عظيمة من الصبر والمطاولة التي كانت أسيرة في تاريخنا... وظن الكثيرون أن ذلك موقوف على الماضي المجيد.... لقد تحررت طاقة شعب كانت كامنة.... ولقد كان هذا الشعب يمتلكها..... بل استعادت الامة العربية زهوها في هذا النصر العظيم بعد سلسلة من الازمات والهزائم التي منيت بها نتيجة ما أثقلتها به سبعة قرون سوداء مضت.... وليس كل ما ظهر في صور البطولة هو ما ظهر... بل كان هناك صور عظيمة لم يسعف القدر والحظ على ابرازها.... فكان هناك كما في حرب جنود وأبطال مجهولون.....
((خريطة المعركة الرابعة في الصفحة 181))