مقالات عسكرية

أضف رد جديد
صورة العضو الشخصية
TangoIII
Lieutenant Colonel - Muqqadam
Lieutenant Colonel - Muqqadam
مشاركات: 14927
اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 6:11 pm
مكان: some where out home
اتصال:

مقالات عسكرية

مشاركة بواسطة TangoIII » الاثنين مايو 09, 2016 12:11 am

مقالات عسكرية
بعد الحرب الناعمة.. عالمنا العربي إلى الجيل الرابع من الحروب – الجزء الأول

العميد م. ناجي ملاعب –

عرّف مايكل آيزنشتات، الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الحرب الناعمة بأنها “استخدام الأقوال والأفعال والصور الإنفعالية كجزء من حملة تواصل إستراتيجي طويلة المدى لتشكيل الحالة النفسية لبلد معادٍ”. وحدّد أن نسبة الأقوال والتصريحات الإعلامية يجب أن تشكل 20% من حملة التواصل الإستراتيجي الناعمة، في حين تتشكل 80% الباقية من برامج وأفعال وتحركات ملموسة على الأرض.

ويقول جوزيف ناي – أستاذ العلوم السياسية ومساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في إدارة كلينتون والذي اشتهر بابتكاره مصطلحي القوة الناعمة والقوة الذكية – “القوة الناعمة هي القدرة على تشكيل تصورات الآخرين” وهي “الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام أو دفع الأموال”. وتنشأ القوة الناعمة من الجاذبية الثقافية لبلد ما، والمثل السياسية التي يحملها، والسياسات التي ينتهجها في الواقع. ويفصل ناي تلك القوة إلى ثلاثة أشكال وأنواع “القوة الاقتصادية والقوة الصلبة العسكرية والقوة الناعمة الخفية ” وعلى هذا الأساس فالقوة الصلبة لا تنفصل عن القوة الخفية والقوة الاقتصادية، وهذه القوى الثلاثة تشكل أبعاد وزوايا القوة والتفوق والهيمنة والسيطرة في السياسة الدولية.

ينبغي لمن يتصدى للعمل في الإستراتيجيات والسياسات الدولية أن يعرف أن “جدول أعمال السياسة العالمية قد أصبح اليوم مثل لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد لا يمكن الفوز بها إلا إذا لُعبت بطريقة عمودية وأفقية”. ومشكلة بعض اللاعبين والزعماء – كما يراها راي – أنهم لا يستطيعون اللعب إلا في اتجاه أو بعد واحد أي إما إعلان وشن الحروب العسكرية أو فرض العقوبات الاقتصادية.

ويتابع جوزف ناي، فيقول “إن سياق القوة قد تغير بفعل عوامل لها صلة بالعولمة وانتشار وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات ويقظة المشاعر القومية والإقليمية وعدم ردعية السلاح النووي وضمور وضعف شهوة الغزو والاستعمار العسكري لدى الدول الكبرى ما أدى إلى تغيير وتبدل في أشكال القوة، لأن معادلات القوة لا تعمل إلا في السياق والإطار الذي توجد فيه علاقات وموازين القوة. فالدبابة لا تصلح لحرب المستنقعات والغابات، والصاروخ والمدفعية لا يصلحان لجذب وكسب الآخرين.

والحرب الناعمة لا تشن للتأثير والدعاية والتلاعب بالرأي العام والإقناع السياسي – ولو بدون توفّر أدلة ذات صدقية كما كان يعرفها قسم الحرب النفسية والدعاية في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أثناء الحرب الباردة – فهذه من وظائف الدعاية الكلاسيكية التي انتهت صلاحيتها ولم تعد تجدي نفعاً في عصر العولمة والمعلومات لأن توسع وسائل الإعلام وانتشارها بين أيدي الجميع وظهور لاعبين من غير الدول عدل مفهوم المصداقية في الخطاب السياسي للدول، ومنع احتكار الدول لسلطة المصداقية هذه، ما أدى، وفق تحليلات راي، إلى القفز نحو اتجاهات ووظائف جديدة أنتجت الحرب الجديدة بحيث أصبحت وظائفها تقوم على “تشكيل التصورات العامة” و”بناء البيئة السياسية الملائمة لترسيخ قواعد السياسات المطلوب تثبيتها وتمريرها والتسويق لها” و “نزع الشرعية والمشروعية والصدقية عن الخصم” و “تغيير شخصية النظام والقيادة لدى الخصم” و “قلب الحقائق وتحويل نقاط القوة إلى نقاط ضعف ومن فرص إلى تهديدات”.


كل دولار يُصرف في مجالات القوة الخفية أفضل وأجدى بأضعاف من صرف 100 في مجالات القوة الصلبة

ومن ناحية أخرى، يشهد الباحثون للقوة الخفية في عالم اليوم بأنها الأكفأ والأفعل على توفير القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهي الأقدر على تشكيل تفضيلات وخيارات الآخرين وجدول أعمال الآخرين السياسي، وكل دولار يُصرف في مجالات القوة الخفية أفضل وأجدى بأضعاف من صرف 100 في مجالات القوة الصلبة.

كما أن نوعية الطرف الذي يتولى عمليات الحرب الناعمة مهم جداً، فإذا كان طرفاً مباشراً فحساسية الجمهور تجاهه أكبر، وبناء عليه فتمرير الرسائل بطريقة غير مباشرة أهم من الظهور المباشر الذي أصبحت تتحسس منه النخب والجماهير. ولهذا نرى منظر الحرب الناعمة قد ركز كثيراً على ضرورة العمل عبر “الوكلاء” فهذا أهم وأفعل من مباشرة التأثير العلني، وهذا جزء من الطبيعة المخادعة والماكرة للحرب الناعمة.


العمل عبر “الوكلاء” أهم وأفعل من مباشرة التأثير العلني، وهذا جزء من الطبيعة المخادعة والماكرة للحرب الناعمة

ويحتاج الإعلام والثقافة والدبلوماسية – وهي أهم أدوات القوة الناعمة – كي تتحول إلى عملية مؤثرة في البيئة السياسية للخصم إلى سياق ومناسبة خاصة وظرف خاص في قيادة عملية
تنظيمية معقدة، لإدارة وتركيز وتنظيم الحملات ولأجل اختيار التوقيت وتنسيق الجهود، وهذا يحتاج إلى قيادة وغرفة عمليات موحدة تتولى منع تضارب السياسات والتحركات
والتنسيق بين مختلف الأنشطة والأذرع التي تتولى تنفيذ هذه العمليات، حيث أن هناك عشرات الجهات تتولى هذه الحرب.

كما أن الحرب الناعمة تعتمد على رفع شعارات ومطالب الناس واستغلالها، فلا يمكن للحرب الناعمة أن تنجح إذا ما رفعت شعارات وتبنت سياسات معادية بالظاهر لمصالح الدولة المستهدفة، فالقوة الناعمة بالعمق تقوم على رفع شعارات وقضايا مرغوبة ومحبوبة والبحث عن قيم مشتركة مع الطرف المستهدف مثل ( الديمقراطية / حقوق الإنسان / السلام / الحريات / الفرص / الازدهار / الاستقرار / الخ) وهذا ما أكده جوزيف ناي بقوله الخطير “لا يمكن لأي حملة تواصل استراتيجي مهما كبرت وتوسعت ولا لأي قوة ناعمة أن تؤثر وهي تروج شعارات ومطالب غير مرغوب بها شعبياً في ساحة الخصم”.

أليس هذا ما نراه ونسمعه ونرفعه من شعارات على مساحة عالمنا العربي اليوم؟

“كل هذه الوظائف لم تكن معهودة بهذا التركيز والتكثيف كما هي اليوم”، يقول الكاتب بروس بمبر في كتابه: الديمقراطية الأميركية وثورة المعلومات. ويضيف “وهنا تفترق الدعاية والحرب النفسية عن الحرب الناعمة. أن الحرب الجديدة لا تعد منهجاً جديداً في مناهج الحرب النفسية والدعاية، بل هي تطور في الوظائف ناجم عن التطور الكمي والنوعي الهائل في وسائل ووسائط الاتصال والإعلام، بل يمكن اعتبارها إفرازا طبيعيا وحتميا مرتبطا بسعة انتشار وتوسع الجيل الرابع من وسائط تكنولوجيا الاتصال والإعلام (الفضائيات / أجهزة الاتصال الخليوية الرقمية / مواقع وصفحات الإنترنت / شبكات التواصل الاجتماعي).

الحرب النفسية

في حين كانت الحرب النفسية والدعاية توجه بشكل أساس نحو كتل منظمة ومتراصة ومتماسكة وصلبة مثل الجيوش والحكومات والمنظمات التي كانت تسيطر وتهيمن بصورة كلية على وعي وميول الرأي العام نظراً لامتلاكها الاحتكاري والفكري لوسائل الاتصال والإعلام والدعاية التقليدية (إذاعات وتلفزيونات حكومية محدودة / صحف حكومية وشبه حكومية / قنوات حكومية مع بعض أجهزة التلفزيون والشاشات محدودة العدد والتي كانت متوفرة بين الناس بحيث كان يمكن لأجهزة الدولة حصرها وإحصاؤها ومعرفة أصحابها بالاسم لأسباب أمنية سلطوية وإيديولوجية ونظرا لكلفتها الاقتصادية وندرتها في السوق). وفي حين ترتكز الحرب النفسية والدعاية التقليدية على إرغام العدو وتدمير إرادته ومعنوياته بصورة شبه مباشرة وعلنية، تركز الحرب النفسية والدعاية الجديدة على الاستمالة والجذب بدون أن تظهر للعيان وبدون أن تترك أي بصمات، كما يختلفان في كمية ونوعية الوسائل المستخدمة، حيث تعاظمت وتوسعت الأدوات الإعلامية والاتصالية لدى الرأي العام في الوقت الراهن، بحيث إن الوسائط والأدوات المستخدمة في الحرب أصبحت في متناول الجميع بلا استثناء ودخلت إلى كل البيوت 24 / 24 ساعة من خلال شاشات التلفزيون والإنترنت والهواتف الخليوية بحيث أغرقت الدول بالمقروآت والمسموعات والبصريات والأخبار والمنتجات الإعلامية بلا أي قيود رقابية في ظل عولمة إعلامية وثقافية ومعلوماتية فورية ومفتوحة ومتفاعلة ومترابطة بشكل لا سابق له وبأثمان وتكاليف مالية مجانية أو شبه مجانية، فهدف الحرب النفسية والدعاية في الحرب الجديدة هو نفسه في الحرب التقليدية لجهة قصد تطويع إرادة الخصم أو العدو (الدول والنظم والرأي العام والمنظمات والجماعات) ولكن الأختلاف يقتصر على الأساليب والوسائل.


تكنولوجيا الاتصال والإعلام غيرت مفهوم الحرب النفسية في الحرب الجديدة إلى حرب ترغيبية جاذبة

لقد نجح ذلك الإعلام في التلاعب بالقلوب والعقول، في حرب نفسية خطيرة مسخّراً لها كل وسائل التكنولوجيا التقليدية والحديثة، في تحويل الفرد في عالمنا العربي إلى أداة من أدوات نجاح تلك الحرب ضد نفسه. وما كانت تلك الحروب لتنجح من دون عناصر جديدة تعتمد الخداع وتحين الفرص والحمـلات المنظمة، لذا فإن تنفيذ وظائفها ذات الطبيعة الحساسة ووضعها موضع التطبيق يتطلب موارد وطاقات وجهوداً بشرية كبيرة، وتخطيطاً وتحليلاً سياسياً لتوجيه الأحداث، ومراكز أبحاث وأجهزة توفر المعلومات والمعطيات، وإمكانات تكنولوجية واتصالية وإعلامية ضخمة، ومهارات وخبرات وصبرا إستراتيجيا نفسا طويلا وغرفة عمليات تتولى التنسيق لأجل تضافر مجموعة من العناصر والأركان كي تكتمل وتتوفر شروط نجاح هذه الحرب.

عناصر نجاح الحرب النفسية:

1- خلق وابتكار وتنسيق مواد ورسائل وأفكار وشعارات سياسية وإعلامية وثقافية ودبلوماسية.

2- بناء علاقات وتوفير وسطاء يقومون بوظيفة تسويق وترويج الأفكار والأخبار والتحليلات والتوجيهات السياسية والثقافية والإعلامية…

3- تجهيز وتخصيص منافذ وبوابات وقنوات إعلامية وتواصلية وسفارات.

4- بناء علاقات مع كوادر إعلامية ومنظمات وشبكات انترنت ونخب وقوى ومؤسسات عامة وقوى مجتمع مدني وشخصيات ذات تأثير عام.

5- التوجه الى جمهور ونخب تتلقى وتستجيب لمضمون هذه المواد والرسائل في الظرف والمناسبة ضمن سياق ملائم.

6- إدارة وتنسق الأنشطة والاتصالات وتوزع الأدوار والشعارات بواسطة غرفة عمليات موحدة وفقا لتخطيط سياسي عالي المستوى.

وتعتمد الحرب الجديدة أيضاً على معادلات استعلامية تأخذ بعين الإعتبار من يتواصل مع من وتحت أي ظرف “ومن هي الرواية الفائزة بنظر الجمهور والرأي العام، لأن المنتصر في الحرب الجديدة هو من تفوز روايته للأحداث” وهذا ما نراه اليوم بقوة في احداث الثورات العربية، حيث يندر أن يأتي يوم لا نسمع فيه كلاما عن الشرعية ونزع الشرعية عن هذا النظام وذاك الرئيس، والرواية الرسمية الفلانية ورواية المعارضة المقابلة، وهذا جانب من جوانب الحرب الجديدة.

http://sdarabia.com/?p=31004

صورة العضو الشخصية
TangoIII
Lieutenant Colonel - Muqqadam
Lieutenant Colonel - Muqqadam
مشاركات: 14927
اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 6:11 pm
مكان: some where out home
اتصال:

Re: مقالات عسكرية

مشاركة بواسطة TangoIII » الأحد يوليو 03, 2016 10:01 pm

بعد الحرب الناعمة.. عالمنا العربي إلى الجيل الرابع من الحروب – الجزء الثاني

العميد م. ناجي ملاعب*

أهم استراتيجيات الحرب الجديدة:

أ- الاستنزاف المتواصل لطاقات الخصم وسلب حيويته وإشعاعه وبالعموم ضرب وإضعاف موارده الناعمة.

ب- الضغط والتشهير المتواصل على مرتكزات ورموز وملامح وصورة ونفسية وعقل الخصم بدون أي توقف بهدف تحقيق الإرهاق والإرباك وخلخلة الأركان.

ج -الدعم العلني لتيار على حساب تيار آخر والتقييم الفئوي لساحة الخصم بهدف خلق بيئة من الاتهامات المتبادلة وإيجاد فرز واستقطاب يسمح بالدخول على الخط والتلاعب.

د -إستغلال نقاط الضعف في بعض الشخصيات القيادية في جبهة الخصم لخلق توترات وحساسيات وعداوات مع الشخصيات المنافسة وتسعير حمى الصراع على المواقع عبر تسريب الإشاعات والأخبار وتضخيم صورة بعض الشخصيات وخاصة المعارضة وصناعة نجوميتها الإعلامية والجماهيرية.

ه- خلق بيئة سياسية وشعبية وإعلامية متوترة من خلال الجدل والمناقشة في قضايا وموضوعات فكرية وسياسية حساسة تؤدي إلى إحداث تناقضات وحساسيات بين أطياف المجتمع .

و- استدراج التيارات المتطرفة إلى الملفات السياسة العامة بما يؤدي إلى توريطها بأزمات سياسية مع غيرها من التيارات وإبعادها عن هدفها المركزي في مواجهة الغرب.

ز– تنويع مصادر البث الإعلامي وخلق ونشر قنوات ومؤسسات إعلامية شعبية وخاصة على شبكة الإنترنت حيث يسهل استدراج جيل الشباب، وهذا ما اسماه جارد كوهين رئيس قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية بسياسة “الديمقراطية الرقمية حيث أن جيل الشباب يتقبل تأثيرات السياسات والأفكار بسرعة من خلال بوابات ومنافذ تكنولوجيا الاتصال والإعلام”.

ز– إنشاء ودعم جمعيات ومؤسسات مدنية وشبابية ونسائية وثقافية تحت شعار قوى المجتمع المدني لإضعاف القوة المعادية وإيجاد بدائل لها على المدى البعيد، وذلك بموجب قانون أمريكي يدعم ” المنظمات الديمقراطية والشبابية “.

ح- تدريب أفراد وشبكات ومؤسسات للتحرك على شبكة الإنترنت بهدف رفد القنوات الإعلامية العالمية بالمادة المطلوبة للتشهير والتشويه وقد صدر قانون في الكونغرس الأمريكي لتقديم الدعم “لضحايا الرقابة على شبكات الإنترنت

ط- تقليص الوجود العسكري وزيادة الوجود المدني والإعلامي والاستخباراتي في الدول المستهدفة .

الأسلوب الناعم في إدارة دفة الأحداث:

بعد تشكيل التصورات العامة والبيئة السياسية لساحة الخصم يتهيأ المسرح للكثير من الأحداث والأعمال والإجراءات اللاحقة من قبل الوكالات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية والسياسية، وتبدأ النتائج بالظهور عادة خلال المناسبات والأحداث المؤثرة – كالانتخابات مثلاً – حيث نشهد انعكاسات هذه التأثيرات والعمليات، لأن العدو لن يجد أفضل منها فرصة لاستغلالها والنفوذ من خلالها لتحريك عملائه وقواعده وسياساته وأجهزته، فالقاعدة التي تعمل عليها فلسفة الحرب الناعمة هي الأسلوب الناعم في اجتذاب الناس نحو البيئة والسياق والفخ السياسي المستهدف في إطار وغلاف وظرف “ديمقراطي” أو تحت شعار مطلبي أو إصلاحي ملائم، وهذا أسهل من إرغام الناس على تنفيذ التوجيهات المباشرة بصورة فجة وصريحة وكخلاصة “إدارة دفة الأحداث بأسلوب ناعم وبدون أي بصمات.

هل أدخلنا هذا الأسلوب الناعم في مرحلة جديدة لم نعد نعرف لها من تعاريف عسكرية؟ يبدو أن الحروب التي تدور في بلداننا اليوم وبأدوات في منتهى الخطورة، بدءاً بصناعة وانتشار ظاهرة الإرهاب المرعبة في ما بين الواقع والعالم الافتراضي، وقوائمها وتشريعاتها الخطيرة، وأدواتها غير المحصورة في الدين والإعلام والتكنولوجيا فقط، وانتهاءاً بقائمة الدويلات الفاشلة المفتتة الجاهزة لإلغاء سيادتها وتسليم إرادتها الكاملة إلى الخارج، يبدو أنها صناعة محكمة بتخطيط فائق الذكاء وبأدوات في منتهى الخطورة.

لقد دفع العراق منذ تسعينات القرن الماضي (بعد حروب أميركا اللاتينية في السبعينات) وما يزال ثمناً باهظاً في النموذج الأقوى لما يطلق عليه الجيل الرابع من الحروب، وبعد ليبيا وسوريا واليمن لم تعد حالة الحرب مقتصرة على العراق، بل معظم عالمنا العربي. فماذا يعني الجيل الرابع من الحروب؟

الجيل الرابع من الحروب

إذا كان الجيل الأول من الحروب المعروفة هو الحروب التقليدية، والثاني تمثل في حروب العصابات، فقد شكلت الحروب الوقائية أو الاستباقية – التعبير الذي اعتمدته قوى الغرب بعد احداث 11 سبتمبر / أيلول 2001 – ، أما اليوم فالمتداول من التعريفات هو الجيل الرابع من الحروب وهو ما يسمى بـ”الحروب اللاتماثلية ” Asymmetric Warfare”، والتي اصطلح على تعريف لها في “ويكيبيديا” بأنها تتميز باللامركزية، أي حرب دولة ضد لا دولة، حرب جيش نظامي ضد “تنظيمات منتشرة حول العالم وهذه التنظيمات محترفة وتملك إمكانيات ممتازة ولها خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية”.

“الحروب اللاتماثلية ” Asymmetric Warfare”، تتميز باللامركزية، أي حرب دولة ضد لا دولة، حرب جيش نظامي ضد “تنظيمات منتشرة حول العالم

الحرب اللاتماثلية تسمية أطلقها البروفيسور ماكس مايوراينغ، في “المؤتمر السنوي لأمن نصف الأرض الغربي” بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل بتاريخ 2012/8/13 وهو أستاذ باحث في الاستراتيجيات العسكرية، عمل بالمخابرات العسكرية الأميركية، وبمعهد الدراسات الاستراتيجية (SSI) وكلية الحرب للجيش الأميركي، ووصف مايوراينغ هذه الحرب بالخطوات التالية:

1- الحرب بالإكراه، أي أن على العدو قبول الحرب رغما عن إرادته. ولتحقيق هذا العنصر يجب النجاح في عمليات طويلة أهمها “الإنهاك والتآكل ببطء ولكن بثبات لإرادة الدولة المستهدفة من أجل اكتساب النفوذ (gaining influence) وإرغام العدو على التنفيذ بالإكراه… وأحيانا يكون التدخل دمويا كما حدث في عملية الصدمة والرعب الذي ضرب بغداد، أو غير دموي كما في الحرب الكورية، والهدف هو الوصول إلى نقطة التأثير على العدو”.

2- زعزعة الاستقرار (Destabilization) دون جيوش.

3- استخدام قوات غير نظامية من الرجال والنساء والأطفال من المواطنين ومتعددي الجنسيات، مؤكدا أن “زعزعة الاستقرار ممكن أن تأخذ صورا متعددة، مثلا بواسطة مواطنين من دول العدو”.

4- استخدام القدرات العقلية، أو ما وصفه أيضا بـ“القوة الذكية” Intelligent Power وليست قوة النيران، وأعطى المحاضر مثالا على ذلك قائلا “إن جدار برلين لم تسقطه الدبابات والمدفعية بل أسقطه المارك الألماني”، وفي هذا “تُستخدم وسائل الإعلام الجديد والتقليدي ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الاستخبارية والنفوذ”.

5- خلق الدولة الفاشلة، أي إفشال الدولة من أجل “فرض واقع جديد”، وأكد أهمية عدم استعمال هذه الكلمة (الدولة الفاشلة) للحفاظ على العمل بدبلوماسية وعدم استفزاز الطرف الآخر، وإن بعضا من هذا العنصر ينحصر في جعل جزء من الدولة لا يخضع لسيادتها، وإعطاء هذا الجزء تسمية “إقليم محكوم”، ولكن الدولة ليست هي من يتحكم فيه، بل مجموعات غير تابعة للدولة، وهي مجموعات محاربة وعنيفة وشريرة، وأحيانا مبهمة.

6- وبعد خلق الدولة الفاشلة يمكن التدخل والتحكم فيها “وأبعد من ذلك” مؤكدا ضرورة عدم ترك هذه الدولة ليختطفها الآخرون.

وذكر البروفيسور مايوراينغ أيضا أن هذه الخطوات عندما “تكون جيدة والمدة كافية ببطء كاف وباستخدام الطابور الخامس”، فالنجاح يكون مؤكدا، وشبّه كل ذلك بالمثل القائل “يذهب العدو للنوم، ويستيقظ ميتا”.

بعد الحرب الناعمة يدخل عالمنا العربي، بالإكراه، الجيل الرابع من الحروب، الحرب اللاتماثلية، وبعضٌ من حقيقة أحداثها لعبت وسائل الإعلام فيها دوراً خطيراً لتوجيه الرأي العام بعيدا عن الحقيقة، فهذه الأحداث الخطيرة لا يمكن إلا أن تكون مرسومة ومخططا لها مسبقاً في الغرف المغلقة. ما يجعلنا نؤكد مقولة فرانكلين روزفلت، الرئيس الأميركي الأسبق “لا شيء يحدث على سبيل الصدفة في عالم السياسة، وإذا حدث فاعلم أن ذلك مخطط له كي يظهر وكأن كل شيء قد حدث على سبيل الصدفة”.

https://sdarabia.com/?p=31064

صورة العضو الشخصية
TangoIII
Lieutenant Colonel - Muqqadam
Lieutenant Colonel - Muqqadam
مشاركات: 14927
اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 6:11 pm
مكان: some where out home
اتصال:

Re: مقالات عسكرية

مشاركة بواسطة TangoIII » الأحد يوليو 03, 2016 10:49 pm

هذا مقال سياسي و ليس عسكري لكنه يتطرق الى أفكار تتعلق بالسلاح وفلسفة تصديره خاصة من أمريكا ونظرة أستخدامه، يستحق الاطلاع عليه
لن نزوِّد مصر سلاحاً يصدأ في المخازن

سركيس نعوم

عن سؤال: هل الخلاف بين مصر وأميركا هو حول الجيش ونوعية تسليحه ودوره ومهمّاته؟ أجاب المسؤول المهم نفسه الذي يُتابع الأوضاع المصريّة في "الإدارة" المهمّة الثالثة نفسها داخل الإدارة الأميركيّة، قال: "كما ذكرت لك مصر في حاجة اليوم إلى سلاح لمكافحة الارهاب وإلى طوّافات عسكريّة، وجيشها في حاجة أيضاً إلى تدريب على محاربة الارهاب ومكافحة الشغب أو مواجهته في آن واحد، وفي حاجة ثالثاً إلى الأسلحة والتجهيزات والمعدّات اللازمة للنجاح في ذلك كلّه. هي ليست في حاجة إلى مدرّعات ودبّابات وسلاح جوّي مثل طائرات "ف 16" وغيرها. عرضنا تقديم كل ما تحتاج إليه مصر. لكن رئيسها عبد الفتاح السيسي مصرّ على رأيه القاضي بالحصول على أسلحة ثقيلة مدرّعة. نحن رفعنا الحظر السابق على تسليح مصر جزئياً ونعطيها الآن طوّافات عسكريّة وكل ما تحتاج إليه في معركتها ضد الإرهاب. ما يهمّنا هو إعطاؤها سلاحاً يُفيدها وليس سلاحاً لا يُستعمل ويتعطّل أو يصدأ في المخازن والمستودعات. فالمشكلة في مصر وغيرها من الدول العربية وربما غير العربية هو أنها تحب تكديس السلاح من دون استعماله أو من دون معرفة طريقة استعماله جرّاء النقص في التدريب على ذلك أو انعدامه. مصر لم تتوجّه إلى روسيا من أجل السلاح نكاية بنا. فهي أساساً كانت تتزوَّد بأسلحة منها مثل المضادات للطيران ولا تزال. كما أنها تتزوَّد من عندنا بأسلحة متنوّعة. يزعل المسؤولون المصريّون أحياناً إذا أبلغنا إليهم أننا سنتأخّر في تسليمهم، السلاح الذي اشتروه. ونقول ذلك عند توقيع العقد معظم الأحيان. وهدفنا من ذلك ليس الرغبة في التأخير من دون سبب وليس من أجل مصالح معيّنة، بل هو حرصنا على حصول مصر وكل من يشتري سلاحنا على سلاح يشتغل ولا يتعطّل ولا ينفجر في الجنود عند استعماله، وحرصنا أيضاً على تدريب الذين سيستعملونه عليه قبل الحصول عليه وما إلى ذلك. هذا أمر حصل سابقاً في العراق. طلبوا صفقات سلاح كثيرة وكبيرة. وعندما استأخرونا ذهبوا إلى روسيا ووقّعوا معها صفقات تسلُّح بمليارات الدولارات. تسلّموا الأسلحة في سرعة، فانفجر بعضها في أثناء الاستعمال وتعطّل بعضها. علاقاتنا بمصر جيّدة ولا خوف عليها". سألتُ: ماذا عن السعوديّة ومصر. حاولت إيران بعد مليارات الدولارات التي ساعدت بها الأولى الثانية إقناع مصر بالإستغناء عن المملكة، وعرض عليها مسؤول رفيع زارها قبل أشهر كثيرة، وبعد لقائه رئيسها السيسي، مليارات مماثلة للإبتعاد عن المملكة. واقترح من أجل تشجيعه التزام بلاده "إرسال" ثلاثين ألف سائح شهرياً إلى مصر. وكان الجواب الذي تلقّاه: "ماذا تريدون؟ هل تريدون تشييع مصر؟" ثم رفض العرض.
ردّ المسؤول المهم نفسه: "هذا صحيح. هناك المذهبية التي تفتك بالعالم العربي والإسلامي. وهناك العروبة. والسعوديّة قدّمت مساعدات ومعها غالبية دول الخليج العربية. لكن المساعدات لم تؤسّس كما قُلتَ سابقاً لعلاقة متينة وثابتة مع مصر. ففي اليمن مثلاً ذهبت السعوديّة إلى الحرب وطلبت من السيسي جيوشاً (برّية) من دون أن تتشاور معه قبلاً في الحرب وإمكان إسهام مصر فيها. إلى ذلك تعتقد مصر أن دورها الماضي أو السابق لا يزال على حاله أو سيعود. كانت قائدة الأمة العربية والقرار النهائي لها. صحيح أن لديها مشكلات داخليّة عدّة منها الاقتصاد المتردّي وخارجيّة لكنها لا تزال مصر. وهي لا تؤجِّر جنودها. ورغم ذلك حمت باب المندب وشواطئ السعوديّة. إلاّ أن ما يجري لا يعجبها. فللمرّة الأولى، تناقشها الدول الخليجية في موضوع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وترفض أن يكون شاغلها مصرياً دائماً".
ماذا في جعبة مسؤول مهم يُتابع الأوضاع في المشرق العربي عموماً في "الإدارة" المهمّة الثالثة نفسها داخل الإدارة الأميركية؟
سألته في بداية اللقاء: هل استقبلت الوفد البرلماني الذي زار واشنطن أخيراً لمحاولة تعديل المراسيم التطبيقيّة التي صدرت أخيراً لقانون يهدف إلى تجفيف المنابع المالية لـ"حزب الله"؟ أجاب: "قابلته لكن طبعاً لم أشارك في كل اجتماعاته. الزيارة كانت خطوة جيّدة. كان من الضروري إقامة علاقة مباشرة بين مجلس النواب اللبناني والكونغرس الأميركي. حصل نوع من هيئة مشتركة بين الاثنين، وتم الاتفاق على دعوة أعضاء في الكونغرس لزيارة لبنان دوريّاً مثلاً مرّتين في السنة على الأقل وعلى قيام برلمان لبنان بالأمر نفسه".
ماذا قال أيضاً عن الزيارة المذكورة؟

sarkis.naoum@annahar.com.lb

http://newspaper.annahar.com/article/41 ... 8%B2%D9%86

أضف رد جديد

العودة إلى “الاخبار العسكرية في العالم”