يفوح في مدينة الموصل عطر الإيمان العميق الأخاذ وهدوء النفس المطمئنة التي تحيط بها عشرات الشواهد الإسلامية والرموز والشخصيات، حد أنها كنيت بمدينة الأنبياء والأولياء والصالحين، لكثرة ما ازدهرت حياتها بالمعاني الإسلامية العالية.
أحد هذه الشواهد هو (مرقد الشيخ فتحي) الذي يشهد زيارات مكثفة من شتى أنحاء العراق وبعض دول العالم الإسلامي في موقعه الكائن في قلب المدينة والمطل على الجسر الخامس في منطقة عقدة المواصلات لمقتربات الجسر في الساحل الأيمن.
ويتكون المرقد من غرفة منخفضة تضم الرفات ومحراب أثري وقبة مضلعة، فضلا عن وجود رواق شرقي الغرفة آنفة الذكر، ويعتقد بعض الباحثين أن عددا من أقسام المرقد يعود إلى الفترة الأتابكية بدليل أن المحاريب والأعمدة ذات طراز أتابكي، أما المصلى فيتكون من أعمدة مزدوجة رباعية الأبدان لها تيجان مكعبة مشغولة بزخارف كاسية بينما يبدو المحراب الرخامي مسطحا، وهو يتضمن النصوص القرآنية وتذكارات الزائرين عبر عصور المرقد.
فمن هو صاحب هذا المرقد؟
يقف الباحثون أمام عملاقين في التراث الإسلامي يحملان الاسم نفسه
والشهرة والمنزلة ذاتها، أولهما هو الفتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي المتوفي بين الأعوام ( 165 – 172 هـ ) ويكنى بأبي محمد ورد ذكره عند إبي نصر التمار والهيثم بن خارجه ووافقهما على تلك أبن الجوزي، بينما وصفه ابن تغري بأنه كان صاحب كرامات وأحوال، ودعاه العسقلاني بالفتح الكبير، وهو من كبار مشايخ الموصل تروى عنه قصص في العلم والورع والزهد.
وثانيهما هو الذي كناه الخطيب البغدادي بأبي نصر وهو أبو محمد الفتح بن سعيد الموصلي ، يُعد من أصحاب الزاهد بشر بن الحارث ويعرف بالفتح الموصلي ويقال أنه توفي في العام ( 220 هـ).
وتشير الأحاديث المتداولة إلى أنه عند وفاة الشيخ فتحي أغلقت الأسواق وخرج الناس يبكون ويصرخون وجاء أهالي القرى ليحفنوا من تراب قبره وينقلوه إلى بيوتهم وقراهم للتبرك به.
والمرقد في وضعه الحالي محط الزيارات المتكررة للناس، رجالا وأطفالا، نساء وشيوخا، معافين ومرضى، أسوياء ومعلولين، سواء من الموصل أو أطرافها أو من جهات العراق كلها والعالم الإسلامي، زوار يحملون الأباريق والحصران والأقمشة الخضر والنذور والبخور وينحرون بأيديهم الخراف ويجلسون في صحن المرقد ويجبلون الحناء ويصبغون بها الحيطان وأيديهم وأرجلهم في مشهد يشبه عيدا معلقا في الهواء بلا مناسبة وبلا موعد تتحلق حوله العوائل الموصلية في سفرات للاستراحة والتبرك على بساط من العشب النامي بين قبور مقابر موزعة عشوائيا حول المرقد، يطبخون ويأكلون ويوزعون الطعام على فقراء المنطقة والفقراء الذين يرابطون قرب المرقد.
وعندما يصاب أحد أفراد أي عائلة باختلال في وظائف جسده أو تتلبسه الحمى أو يتعرض لمرض ما فإن العائلة تهرع به إلى حضن مرقد الشيخ فتحي حيث يقضي ليلة آسرة في وداعة ذلك الصمت المهيب المقدس، الصمت الخالد بين السماء والأرض، وغالبا ما يؤخذ المعتل إلى غرفة تقدر بنصف متر أو متر مربع واحد، ويوضع للجلوس على دكة صغيرة حيث يغافله أبوه أو أمه بصب دلو من ماء البئر الوحيدة الموجودة في المرقد ليجفل ويشفى وكانت العوائل تقتاد أبناءها من المجانين أو الذين يتعرضون إلى صدمات تودي بعقولهم ورجاحتهم، وتضعهم في ضيافة المرقد ليلة كاملة هي ليلة الجمعة وغالبا ما يخرجون متعجبين من جنونهم الذي غرب قبل قليل، وفي فناء المرقد كانت تقام جلسات وحلقات الذكر التي تتصاعد حدتها إلى حدود استخدام السيوف والسياخ والخناجر التي يقوم المحتفلون بغرزها في الخدود والرقاب والبطون قي مشهد مُهيب يحتاج إلى شجاعة لرؤيته أو حضوره
==
"داعش" يهدم مرقد الشيخ فتحي بامر من "الهيئة الشرعية" غربي الموصل
نينوى/ المسلة: أفاد مصدر محلي في محافظة نينوى، اليوم الثلاثاء، بأن عناصر "داعش" أقدموا على هدم مرقد الشيخ فتحي الواقع الى الجانب الايمن غربي مدينة الموصل، لافتا الى ان المرقد هو أحد المزارات الدينية المعروفة في المحافظة.
وقال المصدر لـ"المسلة"، إن "عناصر تنظيم داعش اقدموا على هدم احد المزارات الدينية المعروفة وهو مرقد الشيخ فتحي الكائن في الجانب الايمن من مدينة الموصل، غربي المدينة باستخدام الجرافات".
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "هيئة شرعية شكلها التنظيم في الموصل هي التي افتت بهدم جميع المزارات والمراقد الدينية في المدينة".
وشهدت مدينة الموصل في وقت سابق من، اليوم الثلاثاء، مقتل العشرات بقصف لطائرة مسيرة لمبنى قديم للاستخبارات في حي المالية شرقي المدينة.
وتشهد مدينة الموصل منذ العاشر من حزيران الحالي، سيطرة مسلحين من عناصر تنظيم "داعش" اثر انسحاب قطعات الجيش والشرطة من المدينة، بعد انتشار شائعة لم يكشف عن طبيعتها بعد.
